قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وأبو عبيدة وأكثر أهل اللغة : الإحصار المنع بالمرض أو ذهاب النفقة ، والحصر حصر العدو ، ويقال : أحصره المرض وحصره العدو . وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه أجاز كل واحد منهما مكان الآخر ، وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=15153أبو العباس المبرد والزجاج وقالا : هما مختلفان في المعنى ، ولا يقال في المرض حصره ولا في العدو أحصره . قالا : وإنما هذا كقولهم حبسه : إذا جعله في الحبس ، وأحبسه : أي عرضه للحبس ، وقتله : أوقع به القتل ، وأقتله : أي عرضه للقتل ، وقبره : دفنه في القبر ، وأقبره : عرضه للدفن في القبر ؛ وكذلك حصره : حبسه وأوقع به الحصر ، وأحصره : عرضه للحصر وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : " لا حصر إلا حصر عدو ، فأما من حبسه الله بكسر أو مرض فليس بحصر " فأخبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن الحصر يختص بالعدو وأن المرض لا يسمى حصرا ؛ وهذا موافق لقول من ذكرنا قولهم من أهل اللغة في معنى الاسم . ومن الناس من يظن أن هذا يدل من قوله على أن المريض لا يجوز له أن يحل ولا يكون محصرا ؛ وليس في ذلك دلالة على ما ظن ؛ لأنه إنما أخبر عن معنى الاسم ولم يخبر عن معنى الحكم ، فأعلم أن اسم الإحصار يختص بالمرض والحصر يختص بالعدو . وقد اختلف
السلف في
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3866_3867حكم المحصر على ثلاثة أنحاء : روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : " العدو والمرض سواء يبعث بدم ويحل به إذا نحر في
الحرم " وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
والثاني : قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " إن المريض لا يحل ولا يكون محصرا إلا بالعدو " وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . والثالث : قول
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير : " إن المرض والعدو سواء لا يحل إلا بالطواف " ولا نعلم لهما موافقا من فقهاء الأمصار قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ولما ثبت بما قدمته من قول أهل اللغة أن اسم الإحصار يختص بالمرض ، وقال الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي وجب أن يكون اللفظ مستعملا فيما هو حقيقة
[ ص: 335 ] فيه وهو المرض ، ويكون العدو داخلا فيه بالمعنى .
فإن قيل فقد حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه أجاز فيهما لفظ الإحصار . قيل له لو صح ذلك كانت دلالة الآية قائمة في إثباته في المرض ؛ لأنه لم يدفع وقوع الاسم على المرض ، وإنما أجازه في العدو ، فلو وقع الاسم على الأمرين لكان عموما فيهما موجبا للحكم في المريض والمحصور بالعدو جميعا .
فإن قيل : لم تختلف الرواة أن هذه الآية نزلت في شأن
الحديبية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممنوعين بالعدو ، فأمرهم الله بهذه الآية بالإحلال من الإحرام ، فدل على أن المراد بالآية هو العدو قيل له لما كان سبب نزول الآية هو : العدو ، ثم عدل عن ذكر الحصر وهو يختص بالعدو إلى الإحصار الذي يختص بالمرض ، دل ذلك على أنه أراد إفادة الحكم في المرض ليستعمل اللفظ على ظاهره ؛ ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالإحلال وحل هو ، دل على أنه أراد حصر العدو من طريق المعنى لا من جهة اللفظ ، فكان نزول الآية مفيدا للحكم في الأمرين . ولو كان مراد الله تعالى تخصيص العدو بذلك دون المرض لذكر لفظا يختص به دون غيره ؛ ومع ذلك لو كان اسما للمعنيين لم يكن نزوله على سبب موجبا للاقتصار بحكمه عليه ، بل كان الواجب اعتبار عموم اللفظ دون السبب . ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا
محمد بن بكر قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد قال : حدثنا
يحيى عن
حجاج الصواف قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة قال : سمعت
الحجاج بن عمرو الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673510من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل قال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة : فسألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة فقالا : صدق . ومعنى قوله فقد حل فقد جاز له أن يحل ، كما يقال : حلت المرأة للزوج ، يعني جاز لها أن تتزوج .
فإن قيل : روى
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد وابن زيد عن
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أنه قال في المحصر يبعث بالهدي : " فإذا بلغ الهدي محله حل وعليه الحج من قابل " وقال : " لقد رضي الله سبحانه بالقصاص من عباده ويأخذ منهم العدو أن عليه حجا مكان حج وإحراما مكان إحرام " .
فزعم هذا القائل أنه لو كان عند
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة هذا الحديث لما كان قال : " يبعث بالهدي " ولقال : " يحل " كما روي في الخبر . وهذا القائل إنما غلط حين ظن أن المعنى في قوله : " حل " وقوع الإحلال بنفس الإحصار ؛ وليس هو كما ظن وإنما معناه أنه جاز له أن يحل كما ذكرنا مثله فيما يطلقه الناس من قولهم : " حلت المرأة للأزواج " يريدون به : قد جاز لها أن تحل بالتزويج . ويدل عليه من جهة النظر أن
nindex.php?page=treesubj&link=3868_3867_27748المحصر بالعدو لما جاز له الإحلال لتعذر وصوله إلى البيت وكان ذلك
[ ص: 336 ] موجودا في المرض ، وجب أن يكون بمنزلته وفي حكمه .
ألا ترى أنه متى لم يتعذر وصوله إلى البيت بمنع العدو لم يجز له أن يحل ؟ فدل ذلك على أن المعنى فيه تعذر وصوله إلى البيت . ويدل على ذلك موافقة مخالفينا إيانا على أن المرأة إذا منعها زوجها من حجة التطوع بعد الإحرام ، جاز لها الإحلال وكانت بمنزلة المحصر مع عدم العدو ؛ وكذلك من حبس في دين أو غيره فتعذر عليه الوصول إلى البيت كان في حكم المحصر ؛ فكذلك المريض .
ويدل عليه أن سائر الفروض لا يختلف حكمها في كون المنع منها بالعدو أو المرض ، ألا ترى أن الخائف جائز له فعل الصلاة بالإيماء أو قاعدا إذا تعذر عليه فعلها قائما كما يجوز ذلك للمريض ؟ فكذلك المضي في الإحرام واجب أن لا يختلف حكمه عند تعذر الوصول إلى البيت لمرض كان ذلك أو لخوف عدو ، وكذلك هذا في استقبال القبلة إذا كان خائفا أو مريضا ، وكذلك من عدم الماء أو كان مريضا ، ومن لا يجد ما يحتمل به للجهاد ، ومن كان مريضا ؛ لم يختلف حكم الإعذار في سقوط الفرض ، كذلك ينبغي أن لا يختلف حكمها في باب سقوط فرض المضي على الإحرام وجواز الإحلال منه ، والمعنى في الجميع تعذر الفعل .
فإن قيل : لما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ثم عقب ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة دل ذلك من وجهين على أن المريض غير مراد بذكر الإحصار ؛ لأنه لو كان كذلك لما استأنف له ذكرا مع كونه في أول الخطاب ، والوجه الآخر أنه لو كان مرادا له لكان يحل بذلك الدم ولم يكن يحتاج إلى فدية . قيل له : لما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله منعه الإحلال مع وجود الإحصار إلى وقت بلوغ الهدي محله وهو ذبحه في
الحرم ، فأبان عن
nindex.php?page=treesubj&link=3885_3868_3867حكم المريض قبل بلوغ الهدي محله ، وأباح له حلق الرأس مع إيجاب الفدية . ووجه آخر : وهو أنه ليس كل مرض يمنع الوصول إلى البيت ، ألا ترى أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=653870النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=showalam&ids=167لكعب بن عجرة : أتؤذيك هوام رأسك ؟ قال : نعم فأنزل الله الآية ، ولم تكن هوام رأسه مانعته من الوصول إلى البيت ، فرخص الله له في الحلق وأمره بالفدية ، وكذلك المرض المذكور في الآية جائز أن يكون المرض الذي ليس معه إحصار ، والله سبحانه إنما جعل المرض إحصارا إذا منع الوصول إلى البيت ، فليس في ذكره حكم المريض بما وصف ما يمنع كون المرض إحصارا . ووجه آخر : وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا يجوز أن يكون عائدا
[ ص: 337 ] إلى أول الخطاب ، كما عاد إليه حكم الإحصار وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله ثم عطف عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم فبين حكمهم إذا أحصروا ، ثم عقبه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا يعني : أيها المحرمون بالحج والعمرة ؛ فبين حكمهم إذا مرضوا قبل الإحصار كما بين حكمهم عند الإحصار ؛ فليس إذا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فمن كان منكم مريضا دلالة على أن المرض لا يكون إحصارا .
فإن قيل : لما قال في سياق الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج دل على أن مراده العدو المخوف ؛ لأن الأمن يقتضي الخوف . قيل له : ما الذي يمنع أن يكون المراد الأمن من ضرر المرض المخوف ؟ ولم جعلته مخصوصا بالعدو دون المرض والأمن والخوف موجودان فيهما ؟ وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإذا أمنتم يعني : إذا أمنت من كسرك ووجعك فعليك أن تأتي البيت .
فإن قيل : الفرق بين العدو والمرض أن المحصر بعدو إن لم يمكنه أن يتقدم أمكنه الرجوع ، والمرض لا يختلف حاله في التقدم والرجوع . قيل له : فهذا أحرى أن يكون محصرا لتعذر الأمرين عليه ، فهو أعذر ممن يمكنه الرجوع وإن تعذر عليه المضي للخوف . ويقال أيضا : ما تقول في
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3867المحصر بالعدو إذا كان محيطا به ولم يمكنه الرجوع ولا التقدم أليس جائزا له الإحلال بلا خلاف بين الفقهاء فقد انتقضت علتك في الفرق بينهما ؛ ومع ذلك فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3867_3375المحرمة إذا منعها زوجها والمحبوس " إنهما محصران وجائز لهما الإحلال وحال التقدم والرجوع لهما سواء ؛ لأنهما ممنوعان من الأمرين " . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن الفرق بين المريض والخائف أن الله تعالى قد أباح للخائف في القتال أن يتحيز إلى فئة فينتقل بذلك من الخوف إلى الأمن . فيقال له : وكذلك قد أباح للمريض ترك القتال رأسا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج فكانت رخصة المريض أوسع من رخصة الخائف ؛ لأن الخائف غير معذور في ترك حضور القتال والمريض معذور فيه . وإنما عذر الخائف أن يتحيز إلى فئة ولم يعذر في ترك القتال رأسا ، فالمريض أولى بالعذر في الإحلال من إحرامه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فلما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله ثم قال في شأن المحصر الخائف ما قال ، وجب أن لا يزول فرض تمام الحج والعمرة إلا عن الخائف . فيقال له : الذي قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وأتموا الحج والعمرة لله هو الذي قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فإن أحصرتم وهو عموم في الخائف وغيره ، فلا يخرج شيء منه إلا بدلالة ، فما الدلالة على تخصيصه بالخائف دون غيره ؟ وقد
[ ص: 338 ] نقضت ذلك بإطلاقك للمرأة الإحلال إذا منعها زوجها وليست بخائفة ، وكذلك المحبوس لا يخاف القتل ، وقال
المزني : جعل الإحلال رخصة للخائف من العدو ولا يشبه به غيره ، كما جعل المسح على الخفين خاصا لا يشبه به القفازين . فيقال له : إن كان المعنى فيه أنه رخصة فينبغي أن لا يقاس على شيء من الرخص ، فإذا
nindex.php?page=hadith&LINKID=676824رخص النبي صلى الله عليه وسلم الاستنجاء بالأحجار وجب أن لا يشبه به غيره في جواز الاستنجاء بالخرق والخشب ، ولما كان حلق الرأس من أذى رخصة وجب أن لا يشبه به الأذى في البدن في إباحة الحلق والفدية ، ويلزمه أن لا يشبه بالخائف المحبوس والمرأة إذا منعها زوجها ؛ وجميع ما ذكرنا ينقض اعتلاله
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ : الْإِحْصَارُ الْمَنْعُ بِالْمَرَضِ أَوْ ذَهَابُ النَّفَقَةِ ، وَالْحَصْرُ حَصْرُ الْعَدُوِّ ، وَيُقَالُ : أَحَصَرَهُ الْمَرَضُ وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ . وَحُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءِ أَنَّهُ أَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ ، وَأَنْكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15153أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَالزَّجَّاجُ وَقَالَا : هُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى ، وَلَا يُقَالُ فِي الْمَرَضِ حَصَرَهُ وَلَا فِي الْعَدُوِّ أَحْصَرَهُ . قَالَا : وَإِنَّمَا هَذَا كَقَوْلِهِمْ حَبَسَهُ : إِذَا جَعَلَهُ فِي الْحَبْسِ ، وَأَحْبَسَهُ : أَيْ عَرَّضَهُ لِلْحَبْسِ ، وَقَتَلَهُ : أَوْقَعَ بِهِ الْقَتْلَ ، وَأَقْتَلَهُ : أَيْ عَرَّضَهُ لِلْقَتْلِ ، وَقَبَرَهُ : دَفَنَهُ فِي الْقَبْرِ ، وَأَقْبَرَهُ : عَرَّضَهُ لِلدَّفْنِ فِي الْقَبْرِ ؛ وَكَذَلِكَ حَصَرَهُ : حَبَسَهُ وَأَوْقَعَ بِهِ الْحَصْرَ ، وَأَحْصَرَهُ : عَرَّضَهُ لِلْحَصْرِ وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ عَدُوٍّ ، فَأَمَّا مَنْ حَبَسَهُ اللَّهُ بِكَسْرٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَيْسَ بِحَصْرٍ " فَأَخْبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْحَصْرَ يَخْتَصُّ بِالْعَدُوِّ وَأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُسَمَّى حَصْرًا ؛ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الِاسْمِ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحِلَّ وَلَا يَكُونُ مُحْصَرًا ؛ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ظَنَّ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ مَعْنَى الِاسْمِ وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْ مَعْنَى الْحُكْمِ ، فَأَعْلَمَ أَنَّ اسْمَ الْإِحْصَارِ يَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ وَالْحَصْرُ يَخْتَصُّ بِالْعَدُوِّ . وَقَدِ اخْتَلَفَ
السَّلَفُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3866_3867حُكْمِ الْمُحْصَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ : رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ : " الْعَدُوُّ وَالْمَرَضُ سَوَاءٌ يَبْعَثُ بِدَمٍ وَيَحِلُّ بِهِ إِذَا نَحَرَ فِي
الْحَرَمِ " وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=14954وَأَبِي يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ nindex.php?page=showalam&ids=15922وَزُفَرُ nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ .
وَالثَّانِي : قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ : " إِنَّ الْمَرِيضَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَكُونُ مُحْصَرًا إِلَّا بِالْعَدُوِّ " وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ nindex.php?page=showalam&ids=15124وَاللَّيْثِ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ . وَالثَّالِثُ : قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابْنِ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=16561وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ : " إِنَّ الْمَرَضَ وَالْعَدُوُّ سَوَاءٌ لَا يَحِلُّ إِلَّا بِالطَّوَافِ " وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُوَافِقًا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : وَلَمَّا ثَبَتَ بِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ اسْمَ الْإِحْصَارِ يَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ ، وَقَالَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ حَقِيقَةٌ
[ ص: 335 ] فِيهِ وَهُوَ الْمَرَضُ ، وَيَكُونَ الْعَدُوُّ دَاخِلًا فِيهِ بِالْمَعْنَى .
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ حُكِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14888الْفَرَّاءِ أَنَّهُ أَجَازَ فِيهِمَا لَفْظَ الْإِحْصَارِ . قِيلَ لَهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ كَانَتْ دَلَالَةُ الْآيَةِ قَائِمَةً فِي إِثْبَاتِهِ فِي الْمَرَضِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ وُقُوعَ الِاسْمِ عَلَى الْمَرَضِ ، وَإِنَّمَا أَجَازَهُ فِي الْعَدُوِّ ، فَلَوْ وَقَعَ الِاسْمُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ لَكَانَ عُمُومًا فِيهِمَا مُوجِبًا لِلْحُكْمِ فِي الْمَرِيضِ وَالْمَحْصُورِ بِالْعَدُوِّ جَمِيعًا .
فَإِنْ قِيلَ : لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مَمْنُوعِينَ بِالْعَدُوِّ ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْإِحْرَامِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ هُوَ الْعَدُوُّ قِيلَ لَهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ هُوَ : الْعَدُوَّ ، ثُمَّ عَدَلَ عَنْ ذِكْرِ الْحَصْرِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِالْعَدُوِّ إِلَى الْإِحْصَارِ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْمَرَضِ ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إِفَادَةَ الْحُكْمِ فِي الْمَرَضِ لِيُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ ؛ وَلَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِالْإِحْلَالِ وَحَلَّ هُوَ ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ حَصْرَ الْعَدُوِّ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى لَا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ ، فَكَانَ نُزُولُ الْآيَةِ مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِي الْأَمْرَيْنِ . وَلَوْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى تَخْصِيصَ الْعَدُوِّ بِذَلِكَ دُونَ الْمَرَضِ لَذَكَرَ لَفْظًا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ اسْمًا لِلْمَعْنَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ نُزُولُهُ عَلَى سَبَبٍ مُوجِبًا لِلِاقْتِصَارِ بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ اعْتِبَارَ عُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ السَّبَبِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17072مُسَدَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ
حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17298يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ
الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=673510مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةُ : فَسَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا : صَدَقَ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ حَلَّ فَقَدْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ ، كَمَا يُقَالُ : حَلَّتِ الْمَرْأَةُ لِلزَّوْجِ ، يَعْنِي جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ .
فَإِنْ قِيلَ : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15741حَمَّادُ وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ
أَيُّوبُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْصَرِ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ : " فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " وَقَالَ : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْقَصَاصِ مِنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمُ الْعَدُوَّ أَنَّ عَلَيْهِ حَجًّا مَكَانَ حَجٍّ وَإِحْرَامًا مَكَانَ إِحْرَامٍ " .
فَزَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16584عِكْرِمَةَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمَا كَانَ قَالَ : " يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ " وَلَقَالَ : " يَحِلُّ " كَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ . وَهَذَا الْقَائِلُ إِنَّمَا غَلَطَ حِينَ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ : " حَلَّ " وُقُوعُ الْإِحْلَالِ بِنَفْسِ الْإِحْصَارِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا ظَنَّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ كَمَا ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِيمَا يُطْلِقُهُ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهِمْ : " حَلَّتِ الْمَرْأَةُ لِلْأَزْوَاجِ " يُرِيدُونَ بِهِ : قَدْ جَازَ لَهَا أَنْ تَحِلَّ بِالتَّزْوِيجِ . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3868_3867_27748الْمُحْصَرَ بِالْعَدُوِّ لَمَّا جَازَ لَهُ الْإِحْلَالُ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إِلَى الْبَيْتِ وَكَانَ ذَلِكَ
[ ص: 336 ] مَوْجُودًا فِي الْمَرَضِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ وَفِي حُكْمِهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَتَعَذَّرْ وُصُولُهُ إِلَى الْبَيْتِ بِمَنْعِ الْعَدُوِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ تَعَذُّرُ وُصُولِهِ إِلَى الْبَيْتِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُوَافَقَةُ مُخَالِفِينَا إِيَّانَا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا مِنْ حَجَّةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، جَازَ لَهَا الْإِحْلَالُ وَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ مَعَ عَدَمِ الْعَدُوِّ ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ حُبِسَ فِي دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إِلَى الْبَيْتِ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُحْصَرِ ؛ فَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ سَائِرَ الْفُرُوضِ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فِي كَوْنِ الْمَنْعِ مِنْهَا بِالْعَدُوِّ أَوِ الْمَرَضِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَائِفَ جَائِزٌ لَهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ أَوْ قَاعِدًا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُهَا قَائِمًا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ ؟ فَكَذَلِكَ الْمُضِيُّ فِي الْإِحْرَامِ وَاجِبٌ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ لِمَرَضٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ لِخَوْفِ عَدُوٍّ ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إِذَا كَانَ خَائِفًا أَوْ مَرِيضًا ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ أَوْ كَانَ مَرِيضًا ، وَمَنْ لَا يَجِدُ مَا يَحْتَمِلُ بِهِ لِلْجِهَادِ ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا ؛ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الْإِعْذَارِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُهَا فِي بَابِ سُقُوطِ فَرْضِ الْمُضِيِّ عَلَى الْإِحْرَامِ وَجَوَازِ الْإِحْلَالِ مِنْهُ ، وَالْمَعْنَى فِي الْجَمِيعِ تَعَذُّرُ الْفِعْلِ .
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ دَلَّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرُ مُرَادٍ بِذِكْرِ الْإِحْصَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اسْتَأْنَفَ لَهُ ذِكْرًا مَعَ كَوْنِهِ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَهُ لَكَانَ يَحِلُّ بِذَلِكَ الدَّمُ وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجَ إِلَى فِدْيَةٍ . قِيلَ لَهُ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ مَنَعَهُ الْإِحْلَالَ مَعَ وُجُودِ الْإِحْصَارِ إِلَى وَقْتِ بُلُوغِ الْهَدْيِ مَحِلَّهُ وَهُوَ ذَبْحُهُ فِي
الْحَرَمِ ، فَأَبَانَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=3885_3868_3867حُكْمِ الْمَرِيضِ قَبْلَ بُلُوغِ الْهَدْيِ مَحِلَّهُ ، وَأَبَاحَ لَهُ حَلْقَ الرَّأْسِ مَعَ إِيجَابِ الْفِدْيَةِ . وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَرَضٍ يَمْنَعُ الْوُصُولَ إِلَى الْبَيْتِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=653870النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=167لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : أَتُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ ، وَلَمْ تَكُنْ هَوَامُّ رَأْسِهِ مَانِعَتَهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ ، فَرَخَّصَ اللَّهُ لَهُ فِي الْحَلْقِ وَأَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَرَضُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضَ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ إِحْصَارٌ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَلَ الْمَرَضَ إِحْصَارًا إِذَا مَنَعَ الْوُصُولَ إِلَى الْبَيْتِ ، فَلَيْسَ فِي ذِكْرِهِ حُكْمَ الْمَرِيضِ بِمَا وَصَفَ مَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَرَضِ إِحْصَارًا . وَوَجْهٌ آخَرُ : وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَائِدًا
[ ص: 337 ] إِلَى أَوَّلِ الْخِطَابِ ، كَمَا عَادَ إِلَيْهِ حُكْمُ الْإِحْصَارِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَبَيَّنَ حُكْمَهُمْ إِذَا أُحْصِرُوا ، ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا يَعْنِي : أَيُّهَا الْمُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ؛ فَبَيَّنَ حُكْمَهُمْ إِذَا مَرِضُوا قَبْلَ الْإِحْصَارِ كَمَا بَيَّنَ حُكْمَهُمْ عِنْدَ الْإِحْصَارِ ؛ فَلَيْسَ إِذًا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ لَا يَكُونُ إِحْصَارًا .
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ الْعَدُوُّ الْمَخُوفُ ؛ لِأَنَّ الْأَمْنَ يَقْتَضِي الْخَوْفَ . قِيلَ لَهُ : مَا الَّذِي يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْأَمْنَ مِنْ ضَرَرِ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ ؟ وَلِمَ جَعَلْتَهُ مَخْصُوصًا بِالْعَدُوِّ دُونَ الْمَرَضِ وَالْأَمْنُ وَالْخَوْفُ مَوْجُودَانِ فِيهِمَا ؟ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِذَا أَمِنْتُمْ يَعْنِي : إِذَا أَمِنْتَ مِنْ كَسْرِكَ وَوَجَعِكَ فَعَلَيْكَ أَنْ تَأْتِيَ الْبَيْتَ .
فَإِنْ قِيلَ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَدُوِّ وَالْمَرَضِ أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ ، وَالْمَرَضُ لَا يَخْتَلِفُ حَالُهُ فِي التَّقَدُّمِ وَالرُّجُوعِ . قِيلَ لَهُ : فَهَذَا أَحْرَى أَنْ يَكُونَ مُحْصَرًا لِتَعَذُّرِ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ أَعْذَرُ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ لِلْخَوْفِ . وَيُقَالُ أَيْضًا : مَا تَقُولُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3867الْمُحْصَرِ بِالْعَدُوِّ إِذَا كَانَ مُحِيطًا بِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الرُّجُوعُ وَلَا التَّقَدُّمُ أَلَيْسَ جَائِزًا لَهُ الْإِحْلَالُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فَقَدِ انْتَقَضَتْ عِلَّتُكَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27748_3867_3375الْمُحْرِمَةِ إِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا وَالْمَحْبُوسِ " إِنَّهُمَا مُحْصَرَانِ وَجَائِزٌ لَهُمَا الْإِحْلَالُ وَحَالُ التَّقَدُّمِ وَالرُّجُوعِ لَهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ " . وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لِلْخَائِفِ فِي الْقِتَالِ أَنْ يَتَحَيَّزَ إِلَى فِئَةٍ فَيَنْتَقِلَ بِذَلِكَ مِنَ الْخَوْفِ إِلَى الْأَمْنِ . فَيُقَالُ لَهُ : وَكَذَلِكَ قَدْ أَبَاحَ لِلْمَرِيضِ تَرْكَ الْقِتَالِ رَأْسًا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ فَكَانَتْ رُخْصَةُ الْمَرِيضِ أَوْسَعَ مِنْ رُخْصَةِ الْخَائِفِ ؛ لِأَنَّ الْخَائِفَ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِي تَرْكِ حُضُورِ الْقِتَالِ وَالْمَرِيضُ مَعْذُورٌ فِيهِ . وَإِنَّمَا عُذِرَ الْخَائِفُ أَنْ يَتَحَيَّزَ إِلَى فِئَةٍ وَلَمْ يُعْذَرْ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ رَأْسًا ، فَالْمَرِيضُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ فِي الْإِحْلَالِ مِنْ إِحْرَامِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ فِي شَأْنِ الْمُحْصَرِ الْخَائِفِ مَا قَالَ ، وَجَبَ أَنْ لَا يَزُولَ فَرْضُ تَمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا عَنِ الْخَائِفِ . فَيُقَالُ لَهُ : الَّذِي قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ هُوَ الَّذِي قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ وَهُوَ عُمُومٌ فِي الْخَائِفِ وَغَيْرِهِ ، فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلَّا بِدَلَالَةٍ ، فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْخَائِفِ دُونَ غَيْرِهِ ؟ وَقَدْ
[ ص: 338 ] نَقَضْتَ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِكَ لِلْمَرْأَةِ الْإِحْلَالِ إِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا وَلَيْسَتْ بِخَائِفَةٍ ، وَكَذَلِكَ الْمَحْبُوسُ لَا يَخَافُ الْقَتْلَ ، وَقَالَ
الْمُزَنِيُّ : جَعَلَ الْإِحْلَالَ رُخْصَةً لِلْخَائِفِ مِنَ الْعَدُوِّ وَلَا يُشَبَّهُ بِهِ غَيْرُهُ ، كَمَا جَعَلَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَاصًّا لَا يُشَبِّهُ بِهِ الْقُفَّازَيْنِ . فَيُقَالُ لَهُ : إِنْ كَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ رُخْصَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَاسَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الرُّخَصِ ، فَإِذَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=676824رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْأَحْجَارِ وَجَبَ أَنْ لَا يُشَبَّهَ بِهِ غَيْرُهُ فِي جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْخِرَقِ وَالْخَشَبِ ، وَلَمَّا كَانَ حَلْقُ الرَّأْسِ مِنْ أَذًى رُخْصَةً وَجَبَ أَنْ لَا يُشَبَّهَ بِهِ الْأَذَى فِي الْبَدَنِ فِي إِبَاحَةِ الْحَلْقِ وَالْفِدْيَةِ ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُشَبِّهَ بِالْخَائِفِ الْمَحْبُوسَ وَالْمَرْأَةَ إِذَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا ؛ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا يَنْقُضُ اعْتِلَالَهُ