باب قال الله تعالى : وقت ذبح هدي الإحصار فما استيسر من الهدي ولم يختلف أهل العلم ممن أباح الإحلال بالهدي أن ذبح هدي العمرة غير موقت وأنه له أن يذبحه متى شاء ويحل . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه محصرين بالحديبية وكانوا محرمين بالعمرة ، فحلوا منها بعد الذبح ، وكان ذلك في ذي القعدة . واختلفوا في ، فقال هدي الإحصار في الحج أبو حنيفة ومالك " له أن يذبحه متى شاء ويحل قبل يوم النحر " . وقال والشافعي أبو يوسف والثوري : " لا يذبح قبل يوم النحر " . وظاهر قوله : ومحمد فما استيسر من الهدي يقتضي جوازه غير موقت ، وفي إثبات التوقيت تخصيص اللفظ ، وذلك غير جائز إلا بدليل
فإن قيل : لما قال تعالى : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله والمحل اسم يقع على التوقيت ، وجب أن يكون موقتا . قيل له : قد بينا أن المحل اسم للموضع ، وإن كان قد يقع على الوقت فقد اتفق الجميع على أن المكان مراد بذكر المحل ؛ فإذا بلغ الحرم وذبح جاز بظاهر الآية ، وحينئذ يصير شرط الوقت زيادة فيه ؛ لأن أكثر أحواله أن يكون الاسم لما تناولهما جميعا فواجب أن يجزي بأيهما وجد ؛ لأنه جعل بلوغ المحل غاية الإحرام ، وقد وجد بذبحه في الحرم .
ولما قال تعالى : والهدي معكوفا أن يبلغ محله وكان هذا المحل هو الحرم ، ثم قال في هذه القصة بعينها : حتى يبلغ الهدي محله وجب أن يكون هو المحل المذكور في الآية الأخرى ، وهو الحرم . ومما يدل على أنه غير موقت ، أن قوله عز وجل : فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي عائد إلى الحج والعمرة المبدوء بذكرهما في قوله : وأتموا الحج والعمرة لله والهدي المذكور للحج هو المذكور للعمرة ، واتفق الجميع على أنه لم يرد به التوقيت للعمرة فكذلك الحج ؛ إذ قد أريد باللفظ الإطلاق .
ويدل عليه أيضا قوله تعالى : حتى يبلغ الهدي محله والمراد بمحله للعمرة هو الحرم دون الوقت ، فصار كالمنطوق به فيه ، فاقتضى ذلك جواز ذبحه في الحرم أي وقت شاء في العمرة ، فكذلك هو للحج . وأيضا لما كان الإطلاق قد تناول العمرة لم يجز أن يكون مقيدا للحج ؛ لأنه دخل فيهما على وجه واحد بلفظ واحد ، فغير جائز أن يراد في بعض ما انتظمه اللفظ الوقت وفي بعضه المكان ، كما لا يجوز أن يريد بقوله : والسارق والسارقة في بعضهم سارق العشرة وفي بعضهم سارق ربع دينار ، ويدل على ذلك من جهة السنة حديث الحجاج بن عمرو الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم : . من كسر أو [ ص: 343 ] عرج فقد حل وعليه الحج من قابل
ومعناه : فقد جاز له أن يحل ؛ إذ لا خلاف أنه لا يحل بالكسر والعرج . ويدل عليه حديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : ضباعة بنت الزبير ومعنى ذلك إعلامها أن ذلك محلها ، بدلالة الأصول أن موجب الإحرام لا ينتفي بالشرط ثم لم يوقت المحل اشترطي وقولي : إن محلي حيث حبستني
ويحتج له من جهة النظر باتفاق الجميع على أن العمرة التي تحلل بها عند الفوات لا وقت لها إذا وجبت ، كذلك هذا الدم لما وجب عند الإحصار وجب أن يكون غير موقت ؛ لأنه يقع به إحلال على وجه الفسخ كعمرة الفوات .