قوله (تعالى): لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ؛ الآية؛ قال - رحمه الله -: قد ذكر الله (تعالى) اللغو في مواضع؛ فكان المراد به معاني مختلفة؛ على حسب الأحوال التي خرج عليها الكلام؛ فقال (تعالى): أبو بكر لا تسمع فيها لاغية ؛ يعني كلمة فاحشة؛ قبيحة؛ و لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ؛ على هذا المعنى؛ وقال: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ؛ يعني الكفر؛ والكلام القبيح؛ وقال: والغوا فيه ؛ يعني الكلام الذي لا يفيد شيئا؛ ليشغلوا السامعين عنه؛ وقال: وإذا مروا باللغو مروا كراما ؛ يعني الباطل؛ ويقال: "لغا في كلامه؛ يلغو"؛ إذا أتى بكلام لا فائدة فيه؛ وقد روي في معان عن السلف؛ فروي عن لغو اليمين أنه قال: "هو الرجل يحلف على الشيء؛ يراه كذلك؛ فلا يكون"؛ وكذلك روي عن ابن عباس ؛ مجاهد قال وإبراهيم؛ : مجاهد ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ؛ أن تحلف على الشيء؛ وأنت تعلم؛ وهذا في معنى قوله: بما كسبت قلوبكم ؛ وقالت : "هو عائشة "؛ وروي عنها مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وذلك عندنا في النهي عن اليمين على الماضي"؛ روى عنها قول الرجل: لا والله؛ وبلى والله أنها قالت: "قول الرجل: فعلنا والله كذا؛ وصنعنا والله كذا"؛ وروي مثله عن عطاء الحسن؛ ؛ وقال والشعبي : "هو الرجل يحلف على الحرام؛ فلا يؤاخذه الله بتركه"؛ وهذا التأويل موافق لتأويل من تأول قوله: سعيد بن جبير عرضة لأيمانكم ؛ أن يمتنع باليمين من فعل مباح؛ أو يقدم بها على فعل محظور؛ وإذا كان اللغو محتملا لهذه المعاني؛ ومعلوم أنه لما عطف قوله: ولكن يؤاخذكم بما كسبت ؛ أن مراده ما عقد قلبه فيه على الكذب؛ والزور؛ وجب أن تكون هذه المؤاخذة هي عقاب الآخرة؛ وألا تكون الكفارة المستحقة بالحنث; لأن تلك الكفارة غير متعلقة بكسب القلب لاستواء حال [ ص: 44 ] القاصد بها للخير؛ والشر؛ وتساوي حكم العمد؛ والسهو؛ فعلم أن مراده ما يستحق من العقاب بقصده إلى اليمين الغموس؛ وهي اليمين على الماضي؛ قال القاصد بها خلافها إلى الكذب؛ فينبغي أن يكون اللغو هي التي لا يقصد بها إلى الكذب؛ وهي على الماضي؛ ويظن أنه كما حلف عليه؛ فسماها لغوا من حيث لم يتعلق بها حكم في إيجاب كفارة؛ ولا في استحقاق عقوبة؛ وهي التي روي معناها عن ؛ ابن عباس ؛ أنها وعائشة ؛ في عرض كلامه؛ وهو يظن أنه صادق؛ فكان بمنزلة اللغو من الكلام؛ الذي لا فائدة فيه؛ ولا حكم له؛ ويحتمل أن يريد به ما قال قول الرجل: لا والله؛ وبلى والله - فيمن حلف على الحرام - فلا يؤاخذه الله بتركه؛ يعني به عقاب الآخرة؛ وإن كانت الكفارة واجبة إذا حنث؛ وقال سعيد بن جبير : "كل يمين ليس له الوفاء بها فهي لغو؛ لا تجب فيها كفارة"؛ وهذا موافق لقول مسروق ؛ والأولى الذي قدمنا؛ إلا أن سعيد بن جبير سعيدا يوجب الكفارة؛ ومسروقا لا يوجبها؛ وإن حنث؛ وقد روي عن رواية أخرى؛ وهي أن لغو اليمين ما تجب فيه الكفارة منها؛ وروي مثله عن ابن عباس ؛ وروي عن الضحاك أن لغو اليمين حنث النسيان. ابن عباس