قوله - عز وجل -: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ؛ قال : النسيان على وجهين؛ أحدهما أنه قد يتعرض الإنسان للفعل الذي يقع معه النسيان؛ فيحسن الاعتذار به إذا وقعت منه جناية على وجه السهو؛ والثاني: أن يكون النسيان بمعنى ترك المأمور به لشبهة تدخل عليه؛ أو سوء تأويل؛ وإن لم يكن الفعل نفسه واقعا على وجه السهو؛ فيحسن أن يسأل الله (تعالى) مغفرة الأفعال الواقعة على هذا الوجه؛ والنسيان بمعنى الترك مشهور في اللغة؛ قال الله (تعالى): أبو بكر نسوا الله فنسيهم ؛ يعني تركوا أمر الله (تعالى)؛ فلم يستحقوا ثوابه؛ فأطلق اسم النسيان على الله (تعالى)؛ على وجه مقابلة الاسم؛ كقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها ؛ وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم .
قال : النسيان الذي هو ضد الذكر؛ فإن حكمه مرفوع فيما بين العبد وبين الله (تعالى)؛ في استحقاق العقاب؛ والتكليف في مثله ساقط عنه؛ والمؤاخذة به في الآخرة غير جائزة؛ لأنه لا حكم له فيما يكلفه من العبادات؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على لزوم حكم كثير منها مع النسيان؛ واتفقت الأمة أيضا على حكمها؛ من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: أبو بكر ؛ فليصلها إذا ذكرها"؛ وتلا عند ذلك من نام عن صلاة؛ أو نسيها وأقم الصلاة لذكري "؛ فدل على أن مراد الله (تعالى) بقوله: " وأقم الصلاة لذكري ؛ فعل المنسية منها عند الذكر؛ وقال (تعالى): واذكر ربك إذا نسيت ؛ وذلك عموم في لزومه قضاء كل منسي عند ذكره؛ ولا خلاف بين الفقهاء في أن ؛ بمنزلة ناسي الصلاة؛ في لزوم قضائها عند ذكرها؛ وكذلك قال أصحابنا في المتكلم في الصلاة ناسيا: "إنه بمنزلة العامد"; لأن الأصل أن العامد والناسي في حكم الفروض سواء؛ وأنه لا تأثير للنسيان في إسقاط شيء منها؛ إلا ما ورد به التوقيف؛ ولا خلاف أن ناسي الصوم؛ والزكاة؛ وسائر الفروض كتاركها عامدا؛ في بطلان حكم صلاته؛ وكذلك قالوا في الآكل في نهار شهر رمضان ناسيا: "إن القياس فيه إيجاب القضاء"؛ وإنهم إنما تركوا القياس فيه للأثر؛ ومع ما ذكرنا فإن الناسي مؤد لفرضه على أي وجه فعله؛ إذ لم يكلفه الله (تعالى) في تلك الحال غيره؛ وإنما القضاء فرض آخر؛ ألزمه الله (تعالى) بالدلائل التي ذكرنا؛ فكان تأثير النسيان في سقوط المأثم فحسب؛ فأما في لزوم فرض فلا. تارك الطهارة ناسيا
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مقصور على المأثم أيضا؛ دون رفع الحكم؛ ألا ترى أن الله (تعالى) قد نص على لزوم "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"؛ في إيجاب الدية؛ والكفارة؟ فلذلك ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - النسيان مع الخطإ؛ وهو على هذا المعنى. حكم قتل الخطإ
فإن قال قائل: [ ص: 279 ] من أصلكم إيجاب فرض ؛ ولو تركها عامدا كانت ميتة؛ وإذا تركها ناسيا حلت؛ وكانت مذكاة؛ ولم تجعلوها بمنزلة تارك الطهارة ناسيا حتى صلى؛ فيكون مأمورا بإعادتها بالطهارة قطعا؛ وكذلك التسمية على الذبيحة قيل له: لما بينا من أنه لم يكلف في الحال غير ما فعل على وجه النسيان؛ والذي لزمه بعد الذكر فرض مبتدأ آخر؛ وكذلك نجيز في هذه القضية ألا يكون مكلفا في حال النسيان للتسمية؛ فصحت الذكاة؛ ولا تتأتى بعد الذكاة فيه ذبيحة أخرى؛ فيكون مكلفا لها؛ كما كلف إعادة الصلاة؛ والصوم؛ ونحوه. الكلام في الصلاة ناسيا؛