وأما قوله (تعالى): ما طاب لكم من النساء ؛ فإن قال: "معناه: انكحوا نكاحا طيبا"؛ وعن مجاهدا ؛ عائشة ؛ والحسن وأبي مالك : "ما أحل لكم"؛ وقال : "أراد بقوله (تعالى): الفراء ما طاب ؛ المصدر؛ كأنه قال: "فانكحوا من النساء الطيب؛ أي: الحلال"؛ قال: "ولذلك جاز أن يقول: "ما"؛ ولم يقل "من".
وأما قوله (تعالى): مثنى وثلاث ورباع ؛ فإنه إباحة للثنتين إن شاء؛ وللثلاث إن شاء؛ وللرباع إن شاء؛ على أنه مخير في أن يجمع في هذه الأعداد من شاء؛ قال: "فإن خاف ألا يعدل اقتصر من الأربع على الثلاث؛ فإن خاف ألا يعدل اقتصر من الثلاث على الاثنتين؛ فإن خاف ألا يعدل بينهما اقتصر على الواحدة"؛ وقيل: إن الواو ههنا بمعنى "أو"؛ كأنه قال: "مثنى؛ أو ثلاث؛ أو رباع"؛ وقيل أيضا فيه: "إن الواو على حقيقتها؛ ولكنه على وجه البدل؛ كأنه قال: "وثلاث بدلا من مثنى؛ ورباع بدلا من ثلاث"؛ لا على الجمع بين الأعداد؛ ومن قال هذا قال: "إنه لو قيل: بـ "أو"؛ لجاز ألا يكون الثلاث لصاحب المثنى؛ ولا الرباع لصاحب الثلاث؛ فأفاد ذكر الواو إباحة الأربع لكل أحد ممن دخل في الخطاب؛ وأيضا فإن المثنى داخل في الثلاث؛ والثلاث في الرباع؛ إذ لم يثبت أن كل واحد من الأعداد مراد مع الأعداد الأخر على وجه الجمع؛ فتكون تسعا؛ وهذا كقوله (تعالى): قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها ؛ [ ص: 347 ] إلى قوله: وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ؛ والمعنى: في أربعة أيام باليومين المذكورين بديا؛ ثم قال: فقضاهن سبع سماوات في يومين ؛ ولولا أن ذلك كذلك لصارت الأيام كلها ثمانية؛ وقد علم أن ذلك ليس كذلك؛ لقوله (تعالى): خلق السماوات والأرض في ستة أيام ؛ فكذلك المثنى داخل في الثلاث؛ والثلاث في الرباع؛ فجميع ما أباحته الآية من العدد أربع؛ لا زيادة عليها؛ وهذا العدد إنما هو للأحرار؛ دون العبيد؛ في قول أصحابنا؛ ؛ والثوري ؛ والليث ؛ وقال والشافعي : "للعبد أن يتزوج أربعا"؛ والدليل على أن الآية في الأحرار؛ دون العبيد؛ قوله (تعالى): مالك فانكحوا ما طاب لكم ؛ إنما هو مختص بالأحرار; لأن ; لاتفاق الفقهاء أنه لا يجوز له أن يتزوج إلا بإذن المولى؛ وأن المولى أملك بالعقد عليه منه بنفسه; لأن المولى لو زوجه وهو كاره لجاز عليه؛ ولو تزوج هو بغير إذن المولى لم يجز نكاحه؛ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: العبد لا يملك عقد النكاح وقال الله (تعالى): "أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر"؛ ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ؛ فلما كان العبد لا يملك عقد النكاح لم يكن من أهل الخطاب بالآية؛ فوجب أن تكون الآية في الأحرار؛ وأيضا لا يختلفون أن للرق تأثيرا في نقصان حقوق النكاح المقدرة؛ كالطلاق؛ والعدة؛ فلما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يكون للعبد النصف مما للحر؛ وقد روي عن ستة من الصحابة أن ؛ ولا يروى عن أحد من نظرائهم خلافه فيما نعلمه؛ وقد روى العبد لا يتزوج إلا اثنتين عن سليمان بن يسار عبد الله بن عتبة قال: قال : "ينكح العبد اثنتين؛ ويطلق اثنتين؛ وتعتد الأمة حيضتين؛ فإن لم تحض فشهر ونصف"؛ وروى عمر بن الخطاب الحسن عن وابن سيرين ؛ عمر ؛ أن العبد لا يحل له أكثر من امرأتين؛ وروى وعبد الرحمن بن عوف جعفر بن محمد؛ عن أبيه أن قال: "لا يجوز للعبد أن ينكح فوق اثنتين"؛ وروى عليا عن حماد إبراهيم أن عمر وعبد الله قالا: "لا ينكح العبد أكثر من اثنتين"؛ عن وشعبة الحكم؛ عن الفضل بن العباس قال: "يتزوج العبد اثنتين"؛ قال: قال وابن سيرين : "أيكم يعلم عمر ؟"؛ فقال رجل من الأنصار: أنا؛ فقال ما يحل للعبد من النساء : "كم؟"؛ قال: اثنتين؛ فسكت؛ ومن يشاوره عمر ويرضى بقوله فالظاهر أنه صحابي؛ وروى عمر عن ليث الحكم قال: "اجتمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن العبد لا يجمع من النساء فوق اثنتين"؛ فقد ثبت بإجماع أئمة الصحابة ما ذكرناه؛ ولا نعلم أحدا من نظرائهم قال: إنه يتزوج أربعا؛ فمن خالف ذلك كان محجوجا بإجماع الصحابة؛ وقد روي نحو قولنا [ ص: 348 ] عن الحسن؛ وإبراهيم؛ ؛ وابن سيرين ؛ وعطاء والشعبي
فإن قيل: روى عن يحيى بن حمزة أبي وهب ؛ عن قال: "يتزوج العبد أربعا"؛ وهو قول أبي الدرداء ؛ مجاهد والقاسم ؛ وسالم؛ وربيعة الرأي؛ قيل له: إسناد حديث فيه رجل مجهول؛ وهو أبي الدرداء أبو وهب ؛ ولو ثبت لم يجز الاعتراض به على قول الأئمة الذين ذكرنا أقاويلهم؛ واستفاض ذلك عنهم؛ وقد ذكر الحكم؛ وهو من جلة فقهاء التابعين؛ إجماع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن العبد لا يتزوج أكثر من اثنتين.