باب الحكمين كيف يعملان قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وقد اختلف في المخاطبين بهذه الآية من هم ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك : " أنه السلطان الذي يترافعان إليه " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : " الرجل والمرأة " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34واللاتي تخافون نشوزهن هو خطاب للأزواج لما في نسق الآية من الدلالة عليه ، وهو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34واهجروهن في المضاجع وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما الأولى أن يكون خطابا للحاكم الناظر بين الخصمين والمانع من التعدي والظلم وذلك ؛ لأنه قد بين أمر الزوج وأمره بوعظها وتخويفها بالله ثم بهجرانها في المضجع إن لم تنزجر ثم بضربها إن أقامت على نشوزها ،
[ ص: 151 ] ثم لم يجعل بعد الضرب للزوج إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم منهما من الظالم ويتوجه حكمه عليهما .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16718عمرو بن مرة قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن الحكمين ، فغضب وقال : " ما ولدت ؛ إذ ذاك " ؛ فقلت : إنما أعني حكمي شقاق ، قال : " إذا كان بين الرجل وامرأته درء وتدارؤ بعثوا حكمين فأقبلا على الذي جاء التدارؤ من قبله فوعظاه ، فإن أطاعهما وإلا أقبلا على الآخر ، فإن سمع منهما وأقبل إلى الذي يريدان وإلا حكما بينهما ، فما حكما من شيء فهو جائز " .
وروى
عبد الوهاب قال : حدثنا
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير في المختلعة : " يعظها فإن انتهت وإلا هجرها وإلا ضربها ، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان ، فيبعث حكما من أهلها وحكما من أهله ، فيقول الحكم الذي من أهلها يفعل كذا ويفعل كذا ، ويقول الحكم الذي من أهله تفعل به كذا وتفعل به كذا ، فأيهما كان أظلم رده إلى السلطان وأخذ فوق يده ، وإن كانت ناشزا أمروه أن يخلع " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وهذا نظير العنين والمجبوب والإيلاء في باب أن الحاكم هو الذي يتولى النظر في ذلك والفصل بينهما بما يوجبه حكم الله ، فإذا اختلفا وادعى النشوز وادعت هي عليه ظلمه وتقصيره في حقوقها ، حينئذ بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ليتوليا النظر فيما بينهما ويردا إلى الحاكم ما يقفان عليه من أمرهما . وإنما أمر الله تعالى بأن يكون أحد الحكمين من أهلها والآخر من أهله لئلا تسبق الظنة إذا كانا أجنبيين بالميل إلى أحدهما ، فإذا كان أحدهما من قبله والآخر من قبلها زالت الظنة وتكلم كل واحد منهما عمن هو من قبله .
ويدل أيضا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها على أن الذي من أهله وكيل له ، والذي من أهلها وكيل لها ، كأنه قال : فابعثوا رجلا من قبله ورجلا من قبلها ؛ فهذا يدل على بطلان قول من يقول : إن للحكمين أن يجمعا إن شاءا وإن شاءا فرقا بغير أمرهما .
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق أنه حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه أنهم لم يعرفوا أمر الحكمين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : هذا تكذب عليهم ، وما أولى بالإنسان حفظ لسانه لا سيما فيما يحكيه عن العلماء ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ومن علم أنه مؤاخذ بكلامه قل كلامه فيما لا يعنيه .
وأمر
nindex.php?page=treesubj&link=17969الحكمين في الشقاق بين الزوجين منصوص عليه في الكتاب ، فكيف يجوز أن يخفى عليهم مع محلهم من العلم والدين والشريعة ولكن عندهم أن الحكمين ينبغي أن يكونا وكيلين لهما ، أحدهما وكيل المرأة والآخر وكيل الزوج ؟ وكذا روي عن
[ ص: 152 ] nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة عن
أيوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين عن
عبيدة قال : أتى
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا رجل وامرأته مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : ما شأن هذين ؟ قالوا : بينهما شقاق ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما فقال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : هل تدريان ما عليكما ؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا وإن رأيتما أن تفرقا أن تفرقا . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله ، فقال الرجل : أما الفرقة فلا ، فقال علي : كذبت والله لا تنفلت مني حتى تقر كما أقرت . فأخبر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي أن قول الحكمين إنما يكون برضا الزوجين
فقال أصحابنا : ليس للحكمين أن يفرقا إلا أن يرضى الزوج ؛ وذلك لأنه لا خلاف أن
nindex.php?page=treesubj&link=17969الزوج لو أقر بالإساءة إليها لم يفرق بينهما ولم يجبره الحاكم على طلاقها قبل تحكيم الحكمين .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=17969لو أقرت المرأة بالنشوز لم يجبرها الحاكم على خلع ولا على رد مهرها ؛ فإذا كان كذلك حكمهما قبل بعث الحكمين فكذلك بعد بعثهما لا يجوز إيقاع الطلاق من جهتهما من غير رضى الزوج وتوكيله ولا إخراج المهر عن ملكها من غير رضاها ؛ فلذلك قال أصحابنا : إنهما لا يجوز خلعهما إلا برضى الزوجين ، فقال أصحابنا : ليس للحكمين أن يفرقا إلا برضى الزوجين ؛ لأن الحاكم لا يملك ذلك فكيف يملكه الحكمان ؟ وإنما الحكمان وكيلان لهما أحدهما وكيل المرأة والآخر وكيل الزوج في الخلع أو في التفريق بغير جعل إن كان الزوج قد جعل إليه ذلك .
قال
إسماعيل : " الوكيل ليس بحكم ولا يكون حكما إلا ويجوز أمره عليه وإن أبى " . وهذا غلط منه ؛ لأن ما ذكر لا ينفي معنى الوكالة ؛ لأنه لا يكون وكيلا أيضا إلا ويجوز أمره عليه فيما وكل به .
فجواز أمر الحكمين عليهما لا يخرجهما عن حد الوكالة ، وقد يحكم الرجلان حكما في خصومة بينهما ويكون بمنزلة الوكيل لهما فيما يتصرف به عليهما ، فإذا حكم بشيء لزمهما ، بمنزلة اصطلاحهما على أن الحكمين في شقاق الزوجين ليس يغادر أمرهما من معنى الوكالة شيئا ؛ وتحكيم الحكم في الخصومة بين رجلين يشبه حكم الحاكم من وجه ويشبه الوكالة من الوجه الذي بينا .
والحكمان في الشقاق إنما يتصرفان بوكالة محضة كسائر الوكالات . قال
إسماعيل : " والوكيل لا يسمى حكما " . وليس ذلك كما ظن ؛ لأنه إنما سمي ههنا الوكيل حكما تأكيدا للوكالة التي فوضت إليه . وأما قوله : " إن الحكمين يجوز أمرهما على الزوجين وإن أبيا " فليس كذلك ، ولا يجوز أمرهما عليهما إذا أبيا ؛ لأنهما وكيلان ، وإنما يحتاج الحاكم أن يأمرهما بالنظر في أمرهما ويعرف
[ ص: 153 ] أمور المانع من الحق منهما حتى ينقلا إلى الحاكم ما عرفاه من أمرهما ، فيكون قولهما مقبولا في ذلك إذا اجتمعا ، وينهى الظالم منهما عن ظلمه ؛ فجائز أن يكونا سميا حكمين لقبول قولهما عليهما ، وجائز أن يكونا سميا بذلك ؛ لأنهما إذا خلعا بتوكيل منهما وكان ذلك موكولا إلى رأيهما وتحريهما للصلاح سميا حكمين ؛ لأن اسم الحكم يفيد تحري الصلاح فيما جعل إليه وإنفاذ القضاء بالحق والعدل ، فلما كان ذلك موكولا إلى رأيهما وأنفذا على الزوجين حكما من جمع أو تفريق مضى ما أنفذاه فسميا حكمين من هذا الوجه .
فلما أشبه فعلهما فعل الحاكم في القضاء عليهما بما وكلا به على جهة تحري الخير والصلاح وسميا حكمين ، ويكونان مع ذلك وكيلين لهما ؛ إذ غير جائز أن تكون لأحد ولاية على الزوجين من خلع أو طلاق إلا بأمرهما . وزعم أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا إنما ظهر منه النكير على الزوج ؛ لأنه لم يرض بكتاب الله ، قال : " ولم يأخذه بالتوكيل وإنما أخذه بعدم الرضا بكتاب الله " ؛ وليس هذا على ما ذكر ؛ لأن الرجل لما قال : " أما الفرقة فلا " قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : " كذبت أما والله لا تنفلت مني حتى تقر كما أقرت " فإنما أنكر على الزوج ترك التوكيل بالفرقة وأمره بأن يوكل بالفرقة ، وما قال الرجل لا أرضى بكتاب الله حتى ينكر عليه ، وإنما قال لا أرضى بالفرقة بعد رضى المرأة بالتحكيم ؛ وفي هذا دليل على أن الفرقة عليه غير نافذة إلا بعد توكيله بها .
قال : " ولما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما علمنا أن الحكمين يمضيان أمرهما وأنهما إن قصدا الحق وفقهما الله للصواب من الحكم . قال : وهذا لا يقال للوكيلين ؛ لأنه لا يجوز لواحد منهما أن يتعدى ما أمر به " . والذي ذكره لا ينفي معنى الوكالة ؛ لأن الوكيلين إذا كانا موكلين بما رأيا من جمع أو تفريق على جهة تحري الصلاح والخير فعليهما الاجتهاد فيما يمضيانه من ذلك ، وأخبر الله أنه يوفقهما للصلاح إن صلحت نياتهما ، فلا فرق بين الوكيل والحكم ؛ إذ كل من فوض إليه أمر يمضيه على جهة تحري الخير والصلاح ، فهذه الصفة التي وصفه الله بها لاحقة به .
قال : وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وأبي سلمة nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم قالوا : " ما قضى به الحكمان من شيء فهو جائز " ، وهذا عندنا كذلك أيضا . ولا دلالة فيه على موافقة قوله ؛ لأنهم لم يقولوا إن فعل الحكمين في التفريق والخلع جائز بغير رضى الزوجين ، بل جائز أن يكون مذهبهم أن
nindex.php?page=treesubj&link=26371_17969الحكمين لا يملكان التفريق إلا برضى الزوجين بالتوكيل ولا يكونان حكمين إلا بذلك ، ثم ما حكما بعد ذلك من شيء فهو جائز ؛ وكيف
[ ص: 154 ] يجوز للحكمين أن يخلعا بغير رضاه ويخرجا المال عن ملكها وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به وهذا الخوف المذكور ههنا هو المعني بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وحظر الله على الزوج أخذ شيء مما أعطاها إلا على شريطة الخوف منهما ألا يقيما حدود الله ، فأباح حينئذ أن تفتدي بما شاءت وأحل للزوج أخذه فكيف يجوز للحكمين أن يوقعا خلعا أو طلاقا من غير رضاهما وقد نص الله على أنه لا يحل له أخذ شيء مما أعطى إلا بطيبة من نفسها ولا أن تفتدي به فالقائل بأن للحكمين أن يخلعا بغير توكيل من الزوج مخالف لنص الكتاب .
وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم فمنع كل أحد أن يأكل مال غيره إلا برضاه . وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام فأخبر تعالى أن الحاكم وغيره سواء في أنه لا يملك أخذ مال أحد ودفعه إلى غيره . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31477لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ، وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652483فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فإنما أقطع له قطعة من النار ، فثبت بذلك أن الحاكم لا يملك أخذ مالها ودفعه إلى زوجها ، ولا يملك إيقاع طلاق على الزوج بغير توكيله ولا رضاه ؛ وهذا حكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في أنه لا يجوز للحاكم في غير ذلك من الحقوق إسقاطه ونقله عنه إلى غيره من غير رضا من هو له ، فالحكمان إنما يبعثان للصلح بينهما وليشهدا على الظالم منهما كما روى
سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما الآية ، قال : " إنما يبعث الحكمان ليصلحا ، فإن أعياهما أن يصلحا شهدا على الظالم بظلمه ، وليس بأيديهما الفرقة ولا يملكان ذلك " وكذلك روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وفي فحوى الآية ما يدل على أنه ليس للحكمين أن يفرقا ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ولم يقل : إن يريدا فرقة ، وإنما يوجه الحكمان ليعظا الظالم منهما وينكرا عليه ظلمه وإعلام الحاكم بذلك ليأخذ هو على يده ، فإن كان الزوج هو الظالم أنكرا عليه ظلمه وقالا له لا يحل لك أن تؤذيها لتخلع منك ، وإن كانت هي الظالمة قالا لها قد حلت لك الفدية ، وكان في أخذها معذورا لما ظهر للحكمين من نشوزها ، فإذا جعل
[ ص: 155 ] كل واحد منهما إلى الحكم الذي من قبله ما له من التفريق والخلع ؛ كانا مع ما ذكرنا من أمرهما وكيلين جائز لهما أن يخلعا إن رأيا وأن يجمعا إن رأيا ذلك صلاحا ، فهما في حال شاهدان ، وفي حال مصلحان وفي حال آمران بمعروف وناهيان عن منكر ووكيلان في حال إذا فوض إليهما الجمع والتفريق . وأما قول من قال إنهما يفرقان ويخلعان من غير توكيل من الزوجين ، فهو تعسف خارج عن حكم الكتاب والسنة ، والله أعلم بالصواب .
بَابُ الْحَكَمَيْنِ كَيْفَ يَعْمَلَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ هُمْ ، فَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=14676وَالضَّحَّاكِ : " أَنَّهُ السُّلْطَانُ الَّذِي يَتَرَافَعَانِ إِلَيْهِ " وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : " الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ هُوَ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ لِمَا فِي نَسَقِ الْآيَةِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=34وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خِطَابًا لِلْحَاكِمِ النَّاظِرِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْمَانِعِ مِنَ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَمْرَ الزَّوْجِ وَأَمَرَهُ بِوَعْظِهَا وَتَخْوِيفِهَا بِاَللَّهِ ثُمَّ بِهُجْرَانِهَا فِي الْمَضْجَعِ إِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ ثُمَّ بِضَرْبِهَا إِنْ أَقَامَتْ عَلَى نُشُوزِهَا ،
[ ص: 151 ] ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ بَعْدَ الضَّرْبِ لِلزَّوْجِ إِلَّا الْمُحَاكَمَةَ إِلَى مَنْ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْهُمَا مِنَ الظَّالِمِ وَيَتَوَجَّهُ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16718عَمْرِو بْنِ مُرَّةٍ قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ الْحَكَمَيْنِ ، فَغَضِبَ وَقَالَ : " مَا وُلِدْتُ ؛ إِذْ ذَاكَ " ؛ فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَعْنِي حَكَمَيْ شِقَاقٍ ، قَالَ : " إِذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ دَرْءٌ وَتَدَارُؤٌ بَعَثُوا حَكَمَيْنِ فَأَقْبَلَا عَلَى الَّذِي جَاءَ التَّدَارُؤُ مِنْ قِبَلِهِ فَوَعَظَاهُ ، فَإِنْ أَطَاعَهُمَا وَإِلَّا أَقْبَلَا عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ سَمِعَ مِنْهُمَا وَأَقْبَلَ إِلَى الَّذِي يُرِيدَانِ وَإِلَّا حَكَمَا بَيْنَهُمَا ، فَمَا حَكَمَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ " .
وَرَوَى
عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَيُّوبٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمُخْتَلِعَةِ : " يَعِظُهَا فَإِنِ انْتَهَتْ وَإِلَّا هَجَرَهَا وَإِلَّا ضَرَبَهَا ، فَإِنِ انْتَهَتْ وَإِلَّا رَفَعَ أَمْرَهَا إِلَى السُّلْطَانِ ، فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ ، فَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهَا يَفْعَلُ كَذَا وَيَفْعَلُ كَذَا ، وَيَقُولُ الْحَكَمُ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ تَفْعَلُ بِهِ كَذَا وَتَفْعَلُ بِهِ كَذَا ، فَأَيُّهُمَا كَانَ أَظْلَمَ رَدَّهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَأَخَذَ فَوْقَ يَدِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ نَاشِزًا أَمَرُوهُ أَنْ يَخْلَعَ " .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا نَظِيرُ الْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَالْإِيلَاءِ فِي بَابِ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَالْفَصْلَ بَيْنَهُمَا بِمَا يُوجِبُهُ حُكْمُ اللَّهِ ، فَإِذَا اخْتَلَفَا وَادَّعَى النُّشُوزَ وَادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَتَقْصِيرَهُ فِي حُقُوقِهَا ، حِينَئِذٍ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا لِيَتَوَلَّيَا النَّظَرَ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَيَرُدَّا إِلَى الْحَاكِمِ مَا يَقِفَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمَا . وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ مِنْ أَهْلِهَا وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِهِ لِئَلَّا تَسْبِقَ الظِّنَّةُ إِذَا كَانَا أَجْنَبِيَّيْنِ بِالْمَيْلِ إِلَى أَحَدِهِمَا ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِهِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِهَا زَالَتِ الظِّنَّةُ وَتَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمَّنْ هُوَ مِنْ قِبَلِهِ .
وَيَدُلُّ أَيْضًا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا عَلَى أَنَّ الَّذِي مِنْ أَهْلِهِ وَكِيلٌ لَهُ ، وَاَلَّذِي مِنْ أَهْلِهَا وَكِيلٌ لَهَا ، كَأَنَّهُ قَالَ : فَابْعَثُوا رَجُلًا مِنْ قِبَلِهِ وَرَجُلًا مِنْ قِبَلِهَا ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَجْمَعَا إِنْ شَاءَا وَإِنْ شَاءَا فَرَّقَا بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا .
وَزَعَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=12429إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا أَمْرَ الْحَكَمَيْنِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : هَذَا تَكَذُّبٌ عَلَيْهِمْ ، وَمَا أَوْلَى بِالْإِنْسَانِ حِفْظَ لِسَانِهِ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَحْكِيهِ عَنِ الْعُلَمَاءِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=18مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِكَلَامِهِ قَلَّ كَلَامُهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ .
وَأَمْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=17969الْحَكَمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مَعَ مَحَلِّهِمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ وَلَكِنْ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا وَكِيلَيْنِ لَهُمَا ، أَحَدُهُمَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ وَكِيلُ الزَّوْجِ ؟ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ
[ ص: 152 ] nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ
أَيُّوبَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنِ سِيرِينَ عَنْ
عُبَيْدَةَ قَالَ : أَتَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : مَا شَأْنُ هَذَيْنِ ؟ قَالُوا : بَيْنَهُمَا شِقَاقٌ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : هَلْ تَدْرِيَانِ مَا عَلَيْكُمَا ؟ عَلَيْكُمَا إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا أَنْ تَجْمَعَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا أَنْ تَفَرَّقَا . فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ : رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : كَذَبْتَ وَاَللَّهِ لَا تَنْفَلِتُ مِنِّي حَتَّى تُقِرَّ كَمَا أَقَرَّتْ . فَأَخْبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ أَنَّ قَوْلَ الْحَكَمَيْنِ إِنَّمَا يَكُونُ بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ
فَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا إِلَّا أَنْ يَرْضَى الزَّوْجُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17969الزَّوْجَ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِسَاءَةِ إِلَيْهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُجْبِرْهُ الْحَاكِمُ عَلَى طَلَاقِهَا قَبْلَ تَحْكِيمِ الْحَكَمَيْنِ .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=17969لَوْ أَقَرَّتِ الْمَرْأَةُ بِالنُّشُوزِ لَمْ يُجْبِرْهَا الْحَاكِمُ عَلَى خُلْعٍ وَلَا عَلَى رَدِّ مَهْرِهَا ؛ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُمَا قَبْلَ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ بَعْثِهِمَا لَا يَجُوزُ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَى الزَّوْجِ وَتَوْكِيلِهِ وَلَا إِخْرَاجُ الْمَهْرِ عَنْ مِلْكِهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهَا ؛ فَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : إِنَّهُمَا لَا يَجُوزُ خَلْعُهُمَا إِلَّا بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا : لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا إِلَّا بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُهُ الْحَكَمَانِ ؟ وَإِنَّمَا الْحَكَمَانِ وَكِيلَانِ لَهُمَا أَحَدُهُمَا وَكِيلُ الْمَرْأَةِ وَالْآخَرُ وَكِيلُ الزَّوْجِ فِي الْخُلْعِ أَوْ فِي التَّفْرِيقِ بِغَيْرِ جُعْلٍ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ قَدْ جَعَلَ إِلَيْهِ ذَلِكَ .
قَالَ
إِسْمَاعِيلُ : " الْوَكِيلُ لَيْسَ بِحَكَمٍ وَلَا يَكُونُ حَكَمًا إِلَّا وَيَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى " . وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ لَا يَنْفِي مَعْنَى الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ وَكِيلًا أَيْضًا إِلَّا وَيَجُوزُ أَمْرُهُ عَلَيْهِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ .
فَجَوَازُ أَمْرِ الْحَكَمَيْنِ عَلَيْهِمَا لَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ حَدِّ الْوَكَالَةِ ، وَقَدْ يَحْكُمُ الرَّجُلَانِ حُكْمًا فِي خُصُومَةٍ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ لَهُمَا فِيمَا يَتَصَرَّفُ بِهِ عَلَيْهِمَا ، فَإِذَا حَكَمَ بِشَيْءٍ لَزِمَهُمَا ، بِمَنْزِلَةِ اصْطِلَاحِهِمَا عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ فِي شِقَاقِ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَ يُغَادِرُ أَمْرُهُمَا مِنْ مَعْنَى الْوَكَالَةِ شَيْئًا ؛ وَتَحْكِيمُ الْحَكَمِ فِي الْخُصُومَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُشْبِهُ حُكْمَ الْحَاكِمِ مِنْ وَجْهٍ وَيُشِبْهُ الْوَكَالَةَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي بَيَّنَّا .
وَالْحَكَمَانِ فِي الشِّقَاقِ إِنَّمَا يَتَصَرَّفَانِ بِوَكَالَةٍ مَحْضَةٍ كَسَائِرِ الْوِكَالَاتِ . قَالَ
إِسْمَاعِيلُ : " وَالْوَكِيلُ لَا يُسَمَّى حَكَمًا " . وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا ظَنَّ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ هَهُنَا الْوَكِيلُ حَكَمًا تَأْكِيدًا لِلْوَكَالَةِ الَّتِي فُوِّضَتْ إِلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " إِنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ أَمْرُهُمَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ وَإِنْ أَبَيَا " فَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ أَمْرُهُمَا عَلَيْهِمَا إِذَا أَبَيَا ؛ لِأَنَّهُمَا وَكِيلَانِ ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ الْحَاكِمُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِهِمَا وَيَعْرِفَ
[ ص: 153 ] أُمُورَ الْمَانِعِ مِنَ الْحَقِّ مِنْهُمَا حَتَّى يَنْقُلَا إِلَى الْحَاكِمِ مَا عَرَفَاهُ مِنْ أَمْرِهِمَا ، فَيَكُونُ قَوْلُهُمَا مَقْبُولًا فِي ذَلِكَ إِذَا اجْتَمَعَا ، وَيَنْهَى الظَّالِمُ مِنْهُمَا عَنْ ظُلْمِهِ ؛ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا سُمِّيَا حَكَمَيْنِ لِقَبُولِ قَوْلِهِمَا عَلَيْهِمَا ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا سُمِّيَا بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا إِذَا خَلَعَا بِتَوْكِيلٍ مِنْهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إِلَى رَأْيِهِمَا وَتَحَرِّيهِمَا لِلصَّلَاحِ سُمِّيَا حَكَمَيْنِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْحَكَمِ يُفِيدُ تَحَرِّيَ الصَّلَاحِ فِيمَا جُعِلَ إِلَيْهِ وَإِنْفَاذَ الْقَضَاءِ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَوْكُولًا إِلَى رَأْيِهِمَا وَأَنْفَذَا عَلَى الزَّوْجَيْنِ حُكْمًا مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ مَضَى مَا أَنْفَذَاهُ فَسُمِّيَا حَكَمَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
فَلَمَّا أَشْبَهَ فِعْلُهُمَا فِعْلَ الْحَاكِمِ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا بِمَا وُكِّلَا بِهِ عَلَى جِهَةِ تَحَرِّي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ وَسُمِّيَا حَكَمَيْنِ ، وَيَكُونَانِ مَعَ ذَلِكَ وَكِيلَيْنِ لَهُمَا ؛ إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ لِأَحَدٍ وِلَايَةٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ مِنْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ إِلَّا بِأَمْرِهِمَا . وَزَعَمَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا إِنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ النَّكِيرُ عَلَى الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِكِتَابِ اللَّهِ ، قَالَ : " وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِالتَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَدَمِ الرِّضَا بِكِتَابِ اللَّهِ " ؛ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا قَالَ : " أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ : " كَذَبْتَ أَمَا وَاَللَّهِ لَا تَنْفَلِتُ مِنِّي حَتَّى تُقِرَّ كَمَا أَقَرَّتْ " فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الزَّوْجِ تَرْكَ التَّوْكِيلِ بِالْفُرْقَةِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُوَكِّلَ بِالْفُرْقَةِ ، وَمَا قَالَ الرَّجُلُ لَا أَرْضَى بِكِتَابِ اللَّهِ حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ لَا أَرْضَى بِالْفُرْقَةِ بَعْدَ رِضَى الْمَرْأَةِ بِالتَّحْكِيمِ ؛ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ عَلَيْهِ غَيْرُ نَافِذَةٍ إِلَّا بَعْدَ تَوْكِيلِهِ بِهَا .
قَالَ : " وَلَمَّا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يُمْضِيَانِ أَمْرَهُمَا وَأَنَّهُمَا إِنْ قَصَدَا الْحَقَّ وَفَّقَهُمَا اللَّهُ لِلصَّوَابِ مِنَ الْحُكْمِ . قَالَ : وَهَذَا لَا يُقَالُ لِلْوَكِيلَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَعَدَّى مَا أُمِرَ بِهِ " . وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَنْفِي مَعْنَى الْوَكَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَيْنِ إِذَا كَانَا مُوَكَّلَيْنِ بِمَا رَأَيَا مِنْ جَمْعٍ أَوْ تَفْرِيقٍ عَلَى جِهَةِ تَحَرِّي الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فَعَلَيْهِمَا الِاجْتِهَادُ فِيمَا يُمْضِيَانِهِ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُوَفِّقُهُمَا لِلصَّلَاحِ إِنْ صَلُحَتْ نِيَّاتُهُمَا ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْحَكَمِ ؛ إِذْ كُلُّ مَنْ فُوِّضَ إِلَيْهِ أَمْرٌ يُمْضِيهِ عَلَى جِهَةِ تَحَرِّي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ ، فَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا لَاحِقَةٌ بِهِ .
قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ nindex.php?page=showalam&ids=12354وَإِبْرَاهِيمَ قَالُوا : " مَا قَضَى بِهِ الْحَكَمَانِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ " ، وَهَذَا عِنْدَنَا كَذَلِكَ أَيْضًا . وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إِنَّ فِعْلَ الْحَكَمَيْنِ فِي التَّفْرِيقِ وَالْخُلْعِ جَائِزٌ بِغَيْرِ رِضَى الزَّوْجَيْنِ ، بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26371_17969الْحَكَمَيْنِ لَا يَمْلِكَانِ التَّفْرِيقَ إِلَّا بِرِضَى الزَّوْجَيْنِ بِالتَّوْكِيلِ وَلَا يَكُونَانِ حَكَمَيْنِ إِلَّا بِذَلِكَ ، ثُمَّ مَا حَكَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ وَكَيْفَ
[ ص: 154 ] يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَخْلَعَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَيُخْرِجَا الْمَالَ عَنْ مِلْكِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=4وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَهَذَا الْخَوْفُ الْمَذْكُورُ هَهُنَا هُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا وَحَظَرَ اللَّهُ عَلَى الزَّوْجِ أَخْذَ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا إِلَّا عَلَى شَرِيطَةِ الْخَوْفِ مِنْهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ، فَأَبَاحَ حِينَئِذٍ أَنْ تَفْتَدِيَ بِمَا شَاءَتْ وَأَحَلَّ لِلزَّوْجِ أَخْذَهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُوقِعَا خُلْعًا أَوْ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَى إِلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا وَلَا أَنْ تَفْتَدِيَ بِهِ فَالْقَائِلُ بِأَنَّ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يَخْلَعَا بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنَ الزَّوْجِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ فَمَنَعَ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ مَالَ غَيْرِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=188وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ مَالِ أَحَدٍ وَدَفْعَهُ إِلَى غَيْرِهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=31477لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652483فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ مَالِهَا وَدَفْعَهُ إِلَى زَوْجِهَا ، وَلَا يَمْلِكُ إِيقَاعَ طَلَاقٍ عَلَى الزَّوْجِ بِغَيْرِ تَوْكِيلِهِ وَلَا رِضَاهُ ؛ وَهَذَا حُكْمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ إِسْقَاطُهُ وَنَقْلُهُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ هُوَ لَهُ ، فَالْحَكَمَانِ إِنَّمَا يُبْعَثَانِ لِلصُّلْحِ بَيْنَهُمَا وَلِيَشْهَدَا عَلَى الظَّالِمِ مِنْهُمَا كَمَا رَوَى
سَعِيدٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا الْآيَةَ ، قَالَ : " إِنَّمَا يُبْعَثُ الْحَكَمَانِ لِيُصْلَحَا ، فَإِنْ أَعْيَاهُمَا أَنْ يُصْلِحَا شَهِدَا عَلَى الظَّالِمِ بِظُلْمِهِ ، وَلَيْسَ بِأَيْدِيهِمَا الْفُرْقَةُ وَلَا يَمْلِكَانِ ذَلِكَ " وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11943أَبُو بَكْرٍ : وَفِي فَحْوَى الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَكَمَيْنِ أَنْ يُفَرِّقَا ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقُلْ : إِنْ يُرِيدَا فُرْقَةً ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ الْحَكَمَانِ لِيَعِظَا الظَّالِمَ مِنْهُمَا وَيُنْكِرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَإِعْلَامِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ لِيَأْخُذَ هُوَ عَلَى يَدِهِ ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الظَّالِمَ أَنْكَرَا عَلَيْهِ ظُلْمَهُ وَقَالَا لَهُ لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تُؤْذِيَهَا لِتَخْلَعَ مِنْكَ ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الظَّالِمَةُ قَالَا لَهَا قَدْ حَلَّتْ لَكَ الْفِدْيَةُ ، وَكَانَ فِي أَخْذِهَا مَعْذُورًا لِمَا ظْهَرَ لِلْحَكَمَيْنِ مِنْ نُشُوزِهَا ، فَإِذَا جَعَلَ
[ ص: 155 ] كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى الْحَكَمِ الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ مَا لَهُ مِنَ التَّفْرِيقِ وَالْخُلْعِ ؛ كَانَا مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا وَكِيلَيْنِ جَائِزٌ لَهُمَا أَنْ يَخْلَعَا إِنْ رَأَيَا وَأَنْ يَجْمَعَا إِنْ رَأَيَا ذَلِكَ صَلَاحًا ، فَهُمَا فِي حَالٍ شَاهِدَانِ ، وَفِي حَالٍ مُصْلِحَانِ وَفِي حَالٍ آمِرَانِ بِمَعْرُوفٍ وَنَاهِيَانِ عَنْ مُنْكَرٍ وَوَكِيلَانِ فِي حَالٍ إِذَا فُوِّضَ إِلَيْهِمَا الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ . وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا يُفَرِّقَانِ وَيَخْلَعَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ ، فَهُوَ تَعَسُّفٌ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .