ذكر الخلاف في الشفعة بالجوار قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : " الشريك في المبيع أحق من الشريك في الطريق ، ثم الشريك في الطريق أحق من الجار الملازق ، ثم الجار الملازق بعدهما " وهو قول وزفر ابن شبرمة والثوري . وقال والحسن بن صالح مالك : " لا شفعة إلا في مشاع ، ولا شفعة في بئر لا بياض لها ولا تحتمل القسم " . وقد روي وجوب الشفعة للجار عن جماعة من والشافعي السلف ، روي عن وعن عمر أبي بكر بن أبي حفص بن عمر قال : قال : " كتب إلي شريح أن أقضي بالشفعة للجار " . عمر
وروى عاصم عن عن الشعبي قال : " الشريك أحق من الخليط " والخليط أحق من الجار ، والجار أحق ممن سواه " . شريح
وروى أيوب عن محمد قال : " كان يقال : [ ص: 159 ] الشريك أحق من الخليط ، والخليط أحق ممن سواه " .
وقال إبراهيم : " إذا لم يكن شريك فالجار أحق بالشفعة " وقال مثل ذلك . وقال طاوس : كتب إلينا إبراهيم بن ميسرة : " إذا حدت الحدود فلا شفعة " ، قال عمر بن عبد العزيز : " الجار أحق " . والذي يدل على وجوب طاوس ما روى الشفعة للجار حسين المعلم عن عن عمرو بن شعيب عمرو بن الشريد عن أبيه قال : . قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرض ليس لأحد فيها شريك إلا الجار ؟ فقال : الجار أحق بسقبه ما كان
وروى عن سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وروى الجار أحق بسقبه قال : حدثنا أبو حنيفة عبد الكريم عن عن المسور بن مخرمة قال : عرض رافع بن خديج سعد بيتا له ، فقال : خذه فإني قد أعطيت به أكثر مما تعطيني ولكنك أحق به ؛ لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : . الجار أحق بسقبه
وروى عن أبو الزبير قال : جابر . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة بالجوار
وروى عن ، عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر . الجار أحق بسقبه ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا
وروى عن ابن أبي ليلى عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر . الجار أحق بسقبه ما كان
وروى عن قتادة عن الحسن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ؛ جار الدار أحق بشفعة الجار عن وقتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أنس . جار الدار أحق بالدار
وروى عن سفيان منصور عن الحكم قال : حدثني من سمع عليا وعبد الله يقولان : ، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار ويونس عن قال : الحسن . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوار
فاتفق هؤلاء الجماعة على الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وما نعلم أحدا دفع هذه الأخبار مع شيوعها واستفاضتها في الأمة ، فمن عدل عن القول بها كان تاركا للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتج من أبى ذلك بما روى أبو عاصم النبيل قال : حدثنا عن مالك عن الزهري سعيد بن المسيب عن وأبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أبي هريرة ؛ وكذلك رواه عن قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة مالك أبو قتيلة المدني وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون . وهذا الحديث رواه هؤلاء موصولا عن وأصله عن أبي هريرة مقطوع ، رواه سعيد بن المسيب معن ووكيع والقعنبي وابن وهب كلهم عن عن مالك عن الزهري من غير ذكر سعيد بن المسيب ، وكذلك هو في موطأ أبي هريرة . مالك
ولو ثبت موصولا لما جاز الاعتراض به على الأخبار التي رواها نحو عشرة من الصحابة [ ص: 160 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم في إيجاب الشفعة للجار ؛ لأنها في حيز المتواتر المستفيض الذي لا تجوز معارضته بأخبار الآحاد . ولو ثبت من وجوه يجوز أن يعارض به ما قدمنا ذكره لم يكن فيه ما ينفي أخبار إيجاب الشفعة للجار وذلك لأن أكثر ما فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما قوله : قضى بالشفعة فيما لم يقسم ، ثم قال : فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فإنه متفق على استعماله في إيجاب الشفعة للشريك ، ومع ذلك فهو حكاية قضية من النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها ، وليس بعموم لفظ ولا حكاية قول منه . قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم
وأما قوله : فإنه يحتمل أن يكون من كلام الراوي ، إذ ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ، ولا أنه قضى به ؛ وإذا احتمل أن تكون رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم واحتمل أن يكون من قول الراوي أدرجه في الحديث ، كما وجد ذلك في كثير من الأخبار ، لم يجز لنا إثباته عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ غير جائز لأحد أن يعزي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقالة بالشك والاحتمال ؛ فهذا وجه منع الاعتراض به على ما ذكرنا . فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
واحتجوا أيضا بما حدثنا قال : حدثنا عبد الباقي بن قانع حامد بن محمد المردف قال : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : جابر بن عبد الله . وهذا لا دلالة فيه على نفي الشفعة بالجوار من وجهين : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
أحدهما : أنه إنما نفى وجوب الشفعة إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق ، فأفاد بذلك نفي الشفعة لغير الجار الملاصق ؛ لأن صرف الطرق ينفي الملاصقة ؛ لأن بينه وبين جاره طريقا .
والثاني : أنه متى حملناه على حقيقته كان الذي يقتضيه اللفظ نفي الشفعة عند وقوع الحدود وصرف الطرق ، ووقوع الحدود وصرف الطرق إنما هو القسمة ، فكأنه إنما أفاد أن القسمة لا شفعة فيها ، كما قال أصحابنا إنه لا شفعة في قسمة ؛ وكذلك الحديث الأول محمول على ذلك أيضا . وأيضا فقد روى عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : جابر . الجار أحق بصقبه ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا
فهذان الخبران قد رويا عن عن النبي صلى الله عليه وسلم وغير جائز أن نجعلهما متعارضين مع إمكان استعمالهما جميعا ؛ وقد يمكننا استعمالهما على الوجه الذي ذكرنا ، ومخالفونا يجعلونهما متعارضين ويسقطون أحدهما بالآخر . جابر
مطلب : إذا خرج الكلام على سبب فلا مفهوم له عند الفقهاء . وأيضا جائز أن يكون ذلك كلاما خرج على سبب ، فنقل الراوي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 161 ] وترك نقل السبب ، نحو أن يختصم إليه رجلان أحدهما جار والآخر شريك ، فيحكم بالشفعة للشريك دون الجار ؛ وقال : فإذا وقعت الحدود فلا شفعة لصاحب النصيب المقسوم مع الجار ؛ كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أسامة بن زيد وهو عند سائر الفقهاء كلام خارج على سبب اقتصر فيه راويه على نقل قول النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر السبب ، وهو أن يكون سئل عن النوعين المختلفين من الذهب والفضة إذا بيع أحدهما بالآخر ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا ربا إلا في النسيئة يعني فيما سئل عنه ؛ كذلك ما ذكرنا . وأيضا لو تساوت أخبار إيجاب الشفعة بالجوار وأخبار نفيها ، لكانت أخبار الإيجاب أولى من أخبار النفي ؛ لأن الأصل أنها غير واجبة حتى يرد الشرع بإيجابها ، فخبر نفي الشفعة وارد على الأصل وخبر إثباتها ناقل عنه وارد بعده فهو أولى . لا ربا إلا في النسيئة
فإن قيل : يحتمل أن يريد بالجار الشريك . قيل له : هذه الأخبار التي رويناها أكثرها ينفي هذا التأويل ؛ لأن فيها أن جار الدار أحق بشفعة داره ، والشريك لا يسمى جار الدار ؛ وحديث قال فيه : جابر وغير جائز أن يكون هذا في الشريك في المبيع . ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا
وأيضا فإن الشريك لا يسمى جارا ؛ لأنه لو استحق اسم الجوار بالشركة لوجب أن يكون كل شريكين في شيء جارين ، كالشريكين في عبد واحد ودابة واحدة ، فلما لم يستحق اسم الجار بالشركة في هذه الأشياء دل ذلك على أن الشريك لا يسمى جارا ، وإنما الجار هو الذي ينفرد حقه ونصيبه من حق الشريك ويتميز ملك كل واحد عن ملك صاحبه .
وأيضا فإن الشركة إنما تستحق بها الشفعة ؛ لأنها تقتضي حصول الجوار بالقسمة .
والدليل عليه أن الشركة في سائر الأشياء لا توجب الشفعة لعدم حصول الجوار بها عند القسمة ، فدل ذلك على أن الشركة في العقار إنما تستحق بها الشفعة لما يتعلق بها من الجوار عند القسمة ، وإن كان الشريك أحق من الجار لمزية حصلت له مع تعلق حق الجوار بالقسمة . والدليل عليه أن الشركة في سائر الأشياء لا توجب الشفعة لعدم حصول الجوار بها ، كما أن الأخ من الأب والأم أولى بالميراث من الأخ من الأب ، وإن كانت الأخوة من جهة الأب يستحق بها التعصيب والميراث إذا لم يكن أخ لأب وأم ، ومعلوم أن القرابة من جهة الأم لا يستحق بها التعصيب ؛ إذ لم تكن هناك قرابة من جهة الأب ، إلا أنها أكدت تعصيب القرابة من الأب ؛ كذلك الشريك إنما يستحق الشفعة بالشركة ؛ لما تعلق بها من حصول الجوار عند [ ص: 162 ] القسمة ، والشريك أولى من الجار لمزية حصلت له كما وصف بالتعصيب ، ويكون المعنى الذي يتعلق به وجوب الشفعة هو الجوار .
وأيضا لما كان المعنى الذي به وجبت هو دوام التأذي بالشريك ، وكان ذلك موجودا في الجوار ؛ لأنه يتأذى به في الإشراف عليه ومطالعة أموره والوقوف على أحواله وجب أن تكون له الشفعة لوجود المعنى الذي من أجله وجبت الشفعة للشريك ؛ وهذا المعنى غير موجود في الجار غير الملاصق ؛ لأن بينه وبينه طريقا يمنعه التشرف عليه والاطلاع على أموره . الشفعة بالشركة