قوله تعالى : ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم قال : " نزلت في قوم من أهل مجاهد مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا ، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا " . وذكر عن أسباط قال : " نزلت في السدي نعيم بن مسعود الأشجعي ، وكان يأمن في المسلمين والمشركين فينقل الحديث بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين ، فقال : ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم .
وظاهر الآية يدل على أنهم كانوا يظهرون [ ص: 191 ] الإيمان إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم إذا رجعوا إلى قومهم أظهروا الكفر ، لقوله تعالى : كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها والفتنة ههنا الشرك ؛ وقوله : أركسوا فيها يدل على أنهم قبل ذلك كانوا مظهرين للإسلام ، فأمر الله تعالى المؤمنين بالكف عن هؤلاء أيضا إذا اعتزلونا وألقوا إلينا السلم ، وهو الصلح ، كما أمرنا بالكف عن الذين يصلون إلى قوم بيننا وبينهم ميثاق وعن الذين جاءونا وقد حصرت صدورهم ؛ وكما قال في آية أخرى : لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وكما قال : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا ، ثم نسخ ذلك بقوله : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم على ما قدمنا من الرواية عن ومن الناس من يقول إن هذه الآيات غير منسوخة وجائز للمسلمين ترك قتال من لا يقاتلهم من الكفار ، إذ لم يثبت أن حكم هذه الآيات في النهي عن قتال من اعتزلنا وكف عن قتالنا منسوخ . ابن عباس .
وممن حكي عنه أن فرض الجهاد غير ثابت ابن شبرمة وسفيان ، وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى . إلا أن هذه الآيات فيها حظر الثوري ، ولا نعلم أحدا من الفقهاء يحظر قتال من اعتزل قتالنا من المشركين وإنما الخلاف في جواز ترك قتالهم لا في حظره فقد حصل الاتفاق من الجميع على نسخ حظر القتال لمن كان وصفه ما ذكرنا والله الموفق للصواب . قتال من كف عن قتالنا من الكفار