قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فيه نهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=26863مجالسة من يظهر الكفر والاستهزاء بآيات الله ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره و " حتى " ههنا تحتمل معنيين :
أحدهما : أنها تصير غاية لحظر القعود معهم حتى إذا تركوا إظهار الكفر والاستهزاء بآيات الله زال الحظر عن مجالستهم ، والثاني : أنهم كانوا إذا رأوا هؤلاء أظهروا الكفر والاستهزاء بآيات الله ، فقال : لا تقعدوا معهم لئلا يظهروا ذلك ويزدادوا كفرا واستهزاء بمجالستكم لهم ؛ والأول أظهر .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن ما اقتضته الآية من
[ ص: 278 ] إباحة المجالسة إذا خاضوا في حديث غيره منسوخ بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين قيل : إنه يعني مشركي العرب ، وقيل : أراد به المنافقين الذين ذكروا في هذه الآية ، وقيل : بل هي عامة في سائر الظالمين .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140إنكم إذا مثلهم قد قيل فيه وجهان :
أحدهما : في العصيان وإن لم تبلغ معصيتهم منزلة الكفر ، والثاني : أنكم مثلهم في الرضا بحالهم في ظاهر أمركم ، والرضا بالكفر والاستهزاء بآيات الله تعالى كفر ، ولكن من قعد معهم ساخطا لتلك الحال منهم لم يكفر ، وإن كان غير موسع عليه في القعود معهم .
وفي هذه الآية دلالة على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=24661إنكار المنكر على فاعله وأن من إنكاره إظهار الكراهة إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها .
فإن قيل : فهل يلزم
nindex.php?page=treesubj&link=24661من كان بحضرته منكر أن يتباعد عنه وأن يصير بحيث لا يراه ولا يسمعه ؟ قيل له : قد قيل في هذا أنه ينبغي له أن يفعل ذلك إذا لم يكن في تباعده وترك سماعه ترك الحق عليه ، من نحو ترك الصلاة في الجماعة لأجل ما يسمع من صوت الغناء والملاهي ، وترك حضور الجنازة لما معه من النواح ، وترك حضور الوليمة لما هناك من اللهو واللعب ؛ فإذا لم يكن هناك شيء من ذلك فالتباعد عنهم أولى ، وإذا كان هناك حق يقوم به لم يلتفت إلى ما هناك من المنكر وقام بما هو مندوب إليه من حق بعد إظهاره لإنكاره وكراهته وقال قائلون : إنما
nindex.php?page=treesubj&link=26863_19047نهى الله عن مجالسة هؤلاء المنافقين ومن يظهر الكفر والاستهزاء بآيات الله ؛ لأن في مجالستهم تأنيسا لهم ومشاركتهم فيما يجري في مجلسهم .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=treesubj&link=18317في رجل يكون في الوليمة فيحضر هناك اللهو واللعب : إنه لا ينبغي له أن يخرج ، وقال : لقد ابتليت به مرة .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه حضر هو
nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين جنازة وهناك نواح ، فانصرف
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، فذكر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14102للحسن فقال : إنا كنا متى رأينا باطلا وتركنا حقا أسرع ذلك في ديننا لم نرجع .
وإنما لم ينصرف لأن شهود الجنازة حق قد ندب إليه وأمر به فلا يتركه لأجل معصية غيره ، وكذلك حضور الوليمة قد ندب إليها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجز أن يترك لأجل المنكر الذي يفعله غيره إذا كان كارها له وقد حدثنا
محمد بن بكر قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قال : حدثنا
أحمد بن عبد الله الغداني قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم قال : حدثنا
سعيد بن عبد العزيز عن
nindex.php?page=showalam&ids=16047سليمان بن موسى عن
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=685152سمع nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر مزمارا فوضع أصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي : يا nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع هل تسمع شيئا ؟ فقلت : لا ، فرفع أصبعيه من أذنيه وقال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع [ ص: 279 ] مثل هذا فصنع مثل هذا . وهذا هو الاختيار لئلا تساكنه نفسه ولا تعتاد سماعه فيهون عنده أمره ، فأما أن يكون واجبا فلا .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فِيهِ نَهْيٌ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=26863مُجَالَسَةِ مَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ " حَتَّى " هَهُنَا تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا تَصِيرُ غَايَةً لِحَظْرِ الْقُعُودِ مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا تَرَكُوا إِظْهَارَ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ زَالَ الْحَظْرُ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا رَأَوْا هَؤُلَاءِ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ ، فَقَالَ : لَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ لِئَلَّا يُظْهِرُوا ذَلِكَ وَيَزْدَادُوا كُفْرًا وَاسْتِهْزَاءً بِمُجَالَسَتِكُمْ لَهُمْ ؛ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ
[ ص: 278 ] إِبَاحَةِ الْمُجَالَسَةِ إِذَا خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=68فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قِيلَ : إِنَّهُ يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَقِيلَ : أَرَادَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَقِيلَ : بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي سَائِرِ الظَّالِمِينَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=140إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ قَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : فِي الْعِصْيَانِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَعْصِيَتُهُمْ مَنْزِلَةَ الْكُفْرِ ، وَالثَّانِي : أَنَّكُمْ مِثْلُهُمْ فِي الرِّضَا بِحَالِهِمْ فِي ظَاهِرِ أَمْرِكُمْ ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ ، وَلَكِنْ مَنْ قَعَدَ مَعَهُمْ سَاخِطًا لِتِلْكَ الْحَالِ مِنْهُمْ لَمْ يَكْفُرْ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ فِي الْقُعُودِ مَعَهُمْ .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=24661إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَنَّ مِنْ إِنْكَارِهِ إِظْهَارُ الْكَرَاهَةِ إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ إِزَالَتُهُ وَتَرْكُ مُجَالَسَةِ فَاعِلِهِ وَالْقِيَامُ عَنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ وَيَصِيرَ إِلَى حَالٍ غَيْرِهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ يَلْزَمُ
nindex.php?page=treesubj&link=24661مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ مُنْكِرٌ أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنْهُ وَأَنْ يَصِيرَ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ ؟ قِيلَ لَهُ : قَدْ قِيلَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَبَاعُدِهِ وَتَرْكِ سَمَاعِهِ تَرْكُ الْحَقِّ عَلَيْهِ ، مِنْ نَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ مَا يَسْمَعُ مِنْ صَوْتِ الْغِنَاءِ وَالْمَلَاهِي ، وَتَرْكِ حُضُورِ الْجِنَازَةِ لِمَا مَعَهُ مِنَ النُّوَاحِ ، وَتَرْكِ حُضُورِ الْوَلِيمَةِ لِمَا هُنَاكَ مِنَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَالتَّبَاعُدُ عَنْهُمْ أَوْلَى ، وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ حَقٌّ يَقُومُ بِهِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى مَا هُنَاكَ مِنَ الْمُنْكَرِ وَقَامَ بِمَا هُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ مِنْ حَقٍّ بَعْدَ إِظْهَارِهِ لَإِنْكَارِهِ وَكَرَاهَتِهِ وَقَالَ قَائِلُونَ : إِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=26863_19047نَهَى اللَّهُ عَنْ مُجَالَسَةِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَمَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ فِي مُجَالَسَتِهِمْ تَأْنِيسًا لَهُمْ وَمُشَارَكَتَهُمْ فِيمَا يَجْرِي فِي مَجْلِسِهِمْ .
وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ nindex.php?page=treesubj&link=18317فِي رَجُلٍ يَكُونُ فِي الْوَلِيمَةِ فَيَحْضُرُ هُنَاكَ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ : إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْرُجَ ، وَقَالَ : لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ مَرَّةً .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّهُ حَضَرَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=16972وَابْنُ سِيرِينَ جِنَازَةً وَهُنَاكَ نُوَاحٌ ، فَانْصَرَفَ
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابْنُ سِيرِينَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102لِلْحَسَنِ فَقَالَ : إِنَّا كُنَّا مَتَى رَأَيْنَا بَاطِلًا وَتَرَكْنَا حَقًّا أَسْرَعَ ذَلِكَ فِي دِينِنَا لَمْ نَرْجِعْ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنَّ شُهُودَ الْجِنَازَةِ حَقٌّ قَدْ نُدِبَ إِلَيْهِ وَأُمِرَ بِهِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِأَجْلِ مَعْصِيَةِ غَيْرِهِ ، وَكَذَلِكَ حُضُورُ الْوَلِيمَةِ قَدْ نَدَبَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُتْرَكَ لِأَجْلِ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَفْعَلُهُ غَيْرُهُ إِذَا كَانَ كَارِهًا لَهُ وَقَدْ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْغُدَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15500الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16047سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعٍ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=685152سَمِعَ nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ وَقَالَ لِي : يَا nindex.php?page=showalam&ids=17191نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا ؟ فَقُلْتُ : لَا ، فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَقَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ [ ص: 279 ] مِثْلَ هَذَا فَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا . وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ لِئَلَّا تُسَاكِنَهُ نَفْسُهُ وَلَا تَعْتَادَ سَمَاعَهُ فَيَهُونَ عِنْدَهُ أَمْرُهُ ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فَلَا .