قوله عز وجل : إلا ما يتلى عليكم  روي عن  ابن عباس   والحسن   ومجاهد   وقتادة   والسدي   : إلا ما يتلى عليكم    : " يعني قوله : حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما حرم في القرآن " . وقال آخرون : " إلا ما يتلى عليكم من أكل الصيد وأنتم حرم " . فكأنه قال على هذا التأويل : إلا ما يتلى عليكم في نسق هذا الخطاب . قال  أبو بكر   : يحتمل قوله : إلا ما يتلى عليكم  مما قد حصل تحريمه ، على نحو ما روي عن  ابن عباس  ؛ فإذا أريد به ذلك لم يكن اللفظ مجملا ؛ لأن ما قد حصل تحريمه قبل ذلك هو معلوم ، فيكون قوله :  [ ص: 290 ] أحلت لكم بهيمة الأنعام  عموما في إباحة جميعها إلا ما خصه الآي التي فيها تحريم ما حرم منها ، وجعل هذه الإباحة مرتبة على آي الحظر وهو قوله : حرمت عليكم الميتة والدم  
ويحتمل أن يريد بقوله : إلا ما يتلى عليكم  إلا ما يبين حرمته ؛ فيكون مؤذنا بتحريم بعضها علينا في وقت ثان ، فلا يسلب ذلك الآية حكم العموم أيضا . ويحتمل أن يريد أن بعض بهيمة الأنعام محرم عليكم الآن تحريما يرد بيانه في الثاني ، فهذا يوجب إجمال قوله تعالى : أحلت لكم بهيمة الأنعام  لاستثنائه بعضها ، فهو مجهول المعنى عندنا ، فيكون اللفظ مشتملا على إباحة وحظر على وجه الإجمال ، ويكون حكمه موقوفا على البيان . وأولى الأشياء بنا إذا كان في اللفظ احتمال لما وصفنا من الإجمال والعموم حمله على معنى العموم لإمكان استعماله ، فيكون المستثنى منه ما ذكر تحريمه في القرآن من الميتة ونحوها . 
فإن قيل : قوله تعالى : إلا ما يتلى عليكم  يقتضي تلاوة مستقبلة لا تلاوة ماضية ، وما قد حصل تحريمه قبل ذلك فقد تلي علينا فوجب حمله على تلاوة ترد في الثاني قيل له : يجوز أن يريد به ما قد تلي علينا ويتلى في الثاني ؛ لأن تلاوة القرآن غير مقصورة على حال ماضية دون مستقبلة ، بل علينا تلاوته في المستقبل كما تلوناه في الماضي ، فتلاوة ما قد نزل قبل ذلك من القرآن ممكنة في المستقبل ؛ وتكون حينئذ فائدة هذا الاستثناء إبانة عن بقاء حكم المحرمات قبل ذلك من بهيمة الأنعام وأنه غير منسوخ ، ولو أطلق اللفظ من غير استثناء مع تقدم نزول تحريم كثير من بهيمة الأنعام لأوجب ذلك نسخ التحريم وإباحة الجميع منها . 
				
						
						
