قوله تعالى : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا   الآية ؛ يحتمل وجهين : 
أحدهما : معنى " مأمون فيه " كقوله تعالى : في عيشة راضية  يعني مرضية . والثاني : أن يكون المراد " أهل البلد " كقوله تعالى : واسأل القرية  معناه : أهلها ؛ وهو مجاز ؛ لأن الأمن والخوف لا يلحقان البلد وإنما يلحقان من فيه . 
وقد اختلف في الأمن المسؤول في هذه الآية ، فقال قائلون : سأل الأمن من القحط والجدب ؛ لأنه أسكن أهله بواد غير ذي زرع ولا ضرع ، ولم يسأله الأمن من الخسف والقذف ؛ لأنه كان آمنا من ذلك قبل ، وقد قيل : إنه سأل الأمرين جميعا . 
قال  أبو بكر   : هو كقوله  [ ص: 98 ] تعالى : مثابة للناس وأمنا  وقوله : ومن دخله كان آمنا  وقوله : وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا  والمراد والله أعلم بذلك الأمن من القتل ، وذلك أنه قد سأله مع رزقهم من الثمرات : رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات  وقال عقيب مسألة الأمن في قوله تعالى : رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام  ثم قال في سياق القصة : ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم  إلى قوله : وارزقهم من الثمرات  فذكر مع مسألته الأمن وأن يرزقهم من الثمرات ، فالأولى حمل معنى مسألة الأمن على فائدة جديدة غير ما ذكره في سياق القصة ونص عليه من الرزق . 
فإن قال قائل : إن حكم الله تعالى بأمنها من القتل قد كان متقدما لعهد إبراهيم  عليه السلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم مكة  يوم خلق السموات والأرض لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار يعني القتال فيها ؛ فسأله إدامة هذا الحكم فيها وتبقيته على ألسنة رسله وأنبيائه بعده . 
ومن الناس من يقول إنها لم تكن حرما ولا أمنا قبل مسألة إبراهيم  عليه السلام ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن إبراهيم  عليه السلام حرم مكة  وإني حرمت المدينة   . والأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أن الله تعالى حرم مكة  يوم خلق السموات والأرض وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ، أقوى وأصح من هذا الخبر ، ومع ذلك فلا دلالة فيه أنه لم تكن حراما قبل ذلك ؛ لأن إبراهيم عليه السلام حرمها بتحريم الله تعالى إياها قبل ذلك فاتبع أمر الله تعالى فيها . 
ولا دلالة فيه على نفي تحريمها قبل عهد إبراهيم  من غير الوجه الذي صارت به حراما بعد الدعوة ، والوجه الأول يمنع من اصطلام أهلها ومن الخسف بهم والقذف الذي لحق غيرها وبما جعل في النفوس من تعظيمها والهيبة لها ، والوجه الثاني بالحكم بأمنها على ألسنة رسله ، فأجابه الله تعالى إلى ذلك . 
قوله تعالى : ومن كفر  قد تضمن استجابته لدعوته وإخباره أنه يفعل ذلك أيضا بمن كفر منهم في الدنيا ، وقد كانت دعوة إبراهيم  خاصة لمن آمن منهم بالله واليوم الآخر ، فدلت " الواو " التي في قوله ومن كفر  على إجابة دعوة إبراهيم  وعلى استقبال الأخبار بمتعة من كفر قليلا ، ولولا الواو لكان كلاما منقطعا من الأول غير دال على استجابة دعوته فيما سأله ، وقيل في معنى فأمتعه  أنه إنما يمتعه بالرزق الذي يرزقه  [ ص: 99 ] إلى وقت مماته . 
وقيل : " أمتعه " بالبقاء في الدنيا " وقال  الحسن   : " أمتعه " بالرزق والأمن إلى خروج محمد صلى الله عليه وسلم فيقتله إن قام على كفره أو يجليه عنها " . فتضمنت الآية حظر قتل من لجأ إليه من وجهين : 
أحدهما : قوله رب اجعل هذا بلدا آمنا  مع وقوع الاستجابة له ، والثاني : قوله ومن كفر فأمتعه قليلا  ؛ لأنه قد نفى قتله بذكر المتعة إلى وقت الوفاة . 
				
						
						
