قوله تعالى : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم إنما لحقتهم سمة الكفر ؛ لأنهم قالوا ذلك على جهة التدين به واعتقادهم إياه والإقرار بصحته ؛ لأنهم لو قالوا على جهة الحكاية عن غيرهم منكرين له لما كفروا ؛ والكفر هو التغطية ، ويرجع معنى ما ذكر عنهم إلى التغطية من وجهين : أحدهما : كفران النعمة بجحدها أن يكون المنعم بها هو الله تعالى وإضافتها إلى غيره ممن ادعوا له الإلهية . والآخر كفر من جهة الجهل بالله تعالى ، وكل جاهل بالله كافر لتضييعه حق نعم الله تعالى ، فكان بمنزلة مضيفها إلى غيره .
وقوله تعالى : فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم معناه : من يقدر على دفع أمر الله تعالى إن أراد هلاك المسيح وأمه . وهذا من أظهر الاحتجاج وأوضحه ؛ لأنه لقدر على دفع أمر الله تعالى إذا أراد الله تعالى إهلاكه وإهلاك غيره ، فلما كان لو كان المسيح إلها المسيح وسائر المخلوقين سواء في جواز ورود الموت والهلاك عليهم ، صح أنه ليس بإله ؛ إذ لم يكن سائر الناس آلهة وهو مثلهم في جواز الفناء والموت والهلاك عليهم .