واختلف في فقال قطع اليد اليسرى والرجل اليمنى أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب حين رجع إلى قول وعمر بن الخطاب لما استشاره علي إذا سرق قطعت يده اليمنى فإن سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى فإن سرق لم يقطع وحبس وهو قول وابن عباس أبي حنيفة وروي عن وأبي يوسف أنه تقطع يده اليسرى بعد الرجل اليمنى فإن سرق قطعت رجله اليمنى فإن سرق حبس حتى يحدث توبة وعن عمر مثل ذلك إلا أن أبي بكر قد روي عنه الرجوع إلى قول عمر كرم الله وجهه . علي
وقال مالك تقطع اليد اليسرى بعد الرجل اليسرى والرجل اليمنى بعد ذلك ولا يقتل إن سرق بعد ذلك وروي عن والشافعي عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر أنهم قتلوا سارقا بعدما قطعت أطرافه وروى وعمر بن عبد العزيز عن سفيان عن أبيه أن عبد الرحمن بن القاسم أراد أن يقطع الرجل بعد اليد والرجل فقال له أبا بكر السنة اليد عمر .
وروى عبد الرحمن بن يزيد عن عن جابر أن مكحول قال لا تقطعوا يده بعد اليد والرجل ولكن احبسوه عن المسلمين وقال عمر انتهى الزهري إلى اليد والرجل وروى أبو بكر أبو خالد الأحمر عن حجاج عن عن بعض أصحابه أن سماك استشارهم في السارق فأجمعوا على أنه تقطع يده [ ص: 72 ] اليمنى فإن عاد فرجله اليسرى ثم لا يقطع أكثر من ذلك وهذا يقتضي أن يكون ذلك إجماعا لا يسع خلافه لأن الذين يستشيرهم عمر هم الذين ينعقد بهم الإجماع وروى عمر عن سفيان عن أبيه أن عبد الرحمن بن القاسم قطع اليد بعد قطع اليد والرجل في قصة الأسود الذي نزل أبا بكر الصديق بأبي بكر ثم سرق حلي وهو مرسل وأصله حديث أسماء عن ابن شهاب عن عروة أن رجلا خدم عائشة فبعثه مع مصدق وأوصاه به فلبث قريبا من شهر ثم جاءه وقد قطعه المصدق فلما رآه أبا بكر قال له ما لك قال وجدني خنت فريضة فقطع يدي فقال أبو بكر إني لأراه يخون أكثر من ثلاثين فريضة والذي نفسي بيده لئن كنت صادقا لأقيدنك منه ثم سرق حلي أبو بكر فقطعه أسماء بنت عميس فأخبرت أبو بكر أن عائشة قطعه بعد قطع المصدق يده وذلك لا يكون إلا قطع الرجل اليسرى وهو حديث صحيح لا يعارض بحديث القاسم لو تعارضا لسقطا جميعا ولم يثبت بهذا الحديث عن أبا بكر شيء ويبقى لنا الأخبار الأخر التي ذكرناها عن أبي بكر والاقتصار على الرجل اليسرى . أبي بكر
فإن قيل روى عن خالد الحذاء محمد بن حاطب أن قطع يدا بعد يد ورجل قيل له لم يقل في السرقة ويجوز أن يكون في قصاص وقد روي عن أبا بكر مثل ذلك وتأويله ما ذكرناه فحصل من اتفاق عمر بن الخطاب السلف وجوب الاقتصار على اليد والرجل وما روي عنهم من مخالفة ذلك فإنما هو على وجهين إما أن يكون الحكاية في قطع اليد بعد الرجل أو قطع الأربع من غير ذكر السرقة فلا دلالة فيه على القطع في السرقة أو يكون مرجوعا عنه كما روي عن ثم روي عنه الرجوع عنه . عمر
وقد روي عن أنه ضرب عنق رجل بعدما قطع أربعته وليس فيه دلالة على قول المخالف ؛ لأنه لم يذكر قطعه في السرقة ويجوز أن يكون قطعه من قصاص ويدل على صحة قول أصحابنا قوله تعالى عثمان فاقطعوا أيديهما وقد بينا أن المراد أيمانهما وكذلك هو في قراءة ابن مسعود وابن عباس والحسن وإذا كان الذي تتناوله الآية يدا واحدة لم تجز الزيادة عليها إلا من جهة التوقيف أو الاتفاق وقد ثبت الاتفاق في الرجل اليسرى واختلفوا بعد ذلك في وإبراهيم مع عدم الاتفاق والتوقيف ؛ إذ غير جائز إثبات الحدود إلا من أحد هذين الوجهين ودليل آخر وهو اتفاق الأمة على قطع الرجل بعد اليد وفي ذلك دليل على أن اليد اليسرى غير مقطوعة أصلا لأن العلة في العدول عن [ ص: 73 ] اليد اليسرى بعد اليمنى إلى الرجل في قطعها على هذا الوجه إبطال منفعة الجنس وهذه العلة موجودة بعد قطع الرجل اليسرى . اليد اليسرى فلم يجز قطعها
ومن جهة أخرى أنه لما فيه من بطلان منفعة المشي رأسا كذلك لا تقطع اليد اليسرى بعد اليمنى لما فيه من بطلان منفعة البطش وهو منافع اليد كالمشي من منافع الرجل ودليل آخر وهو اتفاق الجميع على أن المحارب وإن عظم جرمه في أخذ المال لا يزاد على قطع اليد والرجل لئلا تبطل منفعة جنس الأطراف كذلك السارق وإن كثر الفعل منه بأن عظم جرمه فلا يوجب الزيادة على قطع اليد والرجل فإن قال قائل قوله عز وجل لم تقطع رجله اليمنى بعد رجله اليسرى فاقطعوا أيديهما يقتضي قطع اليدين جميعا ولولا الاتفاق لما عدلنا عن اليد اليسرى في السرقة الثانية إلى الرجل اليسرى قيل له .
أما قولك إن الآية مقتضية لقطع اليد اليسرى فليس كذلك عندنا ؛ لأنها إنما اقتضت يدا واحدة لما ثبت من إضافتها إلى الاثنين بلفظ الجمع دون التثنية وإن ما كان هذا وصفه فإنه يقتضي يدا واحدة من كل واحد منهما ثم قد اتفقوا أن اليد اليمنى مرادة فصار كقوله تعالى فاقطعوا أيمانهما فانتفى بذلك أن تكون اليسرى مرادة باللفظ فيسقط الاحتجاج بالآية في إيجاب قطع اليسرى وعلى أنه لو كان لفظ الآية محتملا لما وصفت لكان اتفاق الأمة على قطع الرجل بعد اليمنى دلالة على أن اليسرى غير مرادة ؛ إذ غير جائز ترك المنصوص والعدول عنه إلى غيره .