فصل: في الجمع بين الصيام والطعام في كفارة اليمين
قوله تعالى : ليذوق وبال أمره يحتج به في المحرم إذا أكل من الصيد الذي لزمه جزاؤه أن عليه قيمة ما أكل يتصدق به ؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أوجب عليه الغرم ليذوق وبال أمره بإخراج هذا القدر من ماله ، فإذا أكل منه فقد رجع من الغرم في مقدار ما أكل منه ، فهو غير ذائق بذلك وبال أمره ؛ لأن من غرم شيئا وأخذ [ ص: 142 ] مثله لا يكون ذائقا وبال أمره ؛ فدل ذلك على صحة قوله . وقال أصحابنا : ( إن شاء المحرم صام عن كل نصف صاع من الطعام يوما ، وإن شاء صام عن بعض وأطعم بعضا ) فأجازوا الجمع بين الصيام والطعام ، وفرقوا بينه وبين الصيام في كفارة اليمين مع الإطعام فلم يجيزوا الجمع بينهما ، وفرقوا أيضا بينه وبين العتق والطعام في كفارة اليمين بأن يعتق نصف عبد ويطعم خمسة مساكين . فأما الصوم في جزاء الصيد فإنما أجازوا الجمع بينه وبين الطعام من قبل أن الله تعالى جعل الصيام عدلا للطعام ومثلا له بقوله : لأبي حنيفة أو عدل ذلك صياما ومعلوم أنه لم يرد بقوله عدل ذلك أن يكون مثلا له في حقيقة معناه ؛ إذ لا تشابه بين الصيام وبين الطعام ، فعلمنا أن المراد المماثلة بينهما في قيامه مقام الطعام ونيابته عنه لمن صام بعضا ، فكأنه قد أطعم بقدر ذلك فجاز ضمه إلى الطعام فكان الجميع طعاما .
وأما الصيام في كفارة اليمين فإنما يجوز عند عدم الطعام وهو بدل منه ، فغير جائز الجمع بينهما ؛ إذ لا يخلو من أن يكون واجدا أو غير واجد ، فإن كان واجدا للطعام لم يجزه الصيام ، وإن كان غير واجد فالصوم فرضه بدلا منه ، وغير جائز الجمع بين البدل والمبدل منه ، كالمسح على أحد الخفين وغسل الرجل الأخرى وكالتيمم والوضوء وما جرى مجرى ذلك . ولا نعلم خلافا في امتناع جواز ، وأما العتق والطعام فإنما لم يجز الجمع لأن الله تعالى جعل كفارة اليمين أحد الأشياء الثلاثة فإذا أعتق النصف وأطعم النصف فهو غير فاعل لأحدهما فلم يجزه ، والعتق لا يتقوم فيجزي عن الجميع بالقيمة ، وليس هو مثل أن يكسو خمسة ويطعم خمسة فيجزي بالقيمة ؛ لأن كل واحد من هذين متقوم فيجزي عن أحدهما بالقيمة . الجمع بين الصيام والطعام في كفارة اليمين