باب أكل المحرم لحم صيد الحلال
قال الله تعالى وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما فروي عن علي ( أنهما كرها للمحرم أكل صيد اصطاده حلال ) إلا أن إسناد حديث وابن عباس ليس بقوي ، يرويه علي علي بن زيد ، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقفه بعضهم .
وروي عن عثمان وطلحة بن عبيد الله وأبي قتادة وغيرهم إباحته . وروى وجابر عبد الله بن أبي قتادة عن وعطاء بن يسار أبي قتادة قال : . أصبت حمار وحش ، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أصبت حمار وحش وعندي منه فضلة ، فقال لقوم : كلوا وهم محرمون
وروى عن أبو الزبير قال جابر عقر أبو قتادة حمار وحش ونحن محرمون وهو حلال ، فأكلنا منه ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جابر بن عبد الله . لحم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصطاد لكم
وقد روي في إباحته أخبار أخر غير ذلك كرهت الإطالة بذكرها لاتفاق فقهاء الأمصار عليه . واحتج من حظره بقوله : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما وعمومه يتناول الاصطياد والمصيد نفسه لوقوع الاسم عليهما ، ومن أباحه ذهب إلى قوله : وحرم عليكم صيد البر إذ كان يتناول الاصطياد وتحريم المصيد نفسه ، فإن هذا الحيوان إنما يسمى صيدا ما دام حيا وأما اللحم [ ص: 148 ] فغير مسمى بهذا الاسم بعد الذبح ، فإن سمي بذلك فإنما يسمى به على أنه كان صيدا ، فأما اسم الصيد فليس يجوز أن يقع على اللحم حقيقة . ويدل على أن لفظ الآية لم ينتظم اللحم أنه غير محظور عليه وسائر وجوه التصرف سوى الأكل عند القائلين بتحريم أكله ، ولو كان عموم الآية قد اشتمل عليه لما جاز له التصرف فيه بغير الأكل كهو إذا كان حيا ولو كان على متلفه إذا كان محرما ضمانه كما يلزم ضمان إتلاف الصيد الحي ؛ لأن قوله تعالى : التصرف في اللحم بالإتلاف والشرى والبيع وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما يتناول تحريم سائر أفعالنا في الصيد في حال الإحرام .
فإن قال قائل محرم على المحرم وإن لم يكن ممتنعا ولا مسمى صيدا ، فكذلك لحمه . قيل له : ليس كذلك لأن المحرم غير منهي عن إتلاف لحم الصيد ولو أتلفه لم يضمنه ، وهو منهي عن إتلاف البيض والفرخ ويلزمه ضمانه . وأيضا فإن البيض والفرخ قد يصيران صيدا ممتنعا فحكم لهما بحكم الصيد ، ولحم الصيد لا يصير صيدا بحال فكان بمنزلة لحوم سائر الحيوانات ؛ إذ ليس بصيد في الحال ولا يجيء منه صيد . وأيضا فإنا لم نحرم الفرخ والبيض بعموم الآية وإنما حرمناهما بالاتفاق . وقد اختلف في حديث بيض الصيد الصعب بن جثامة أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبواء أو غيرها لحم حمار وحش وهو محرم فرده ، فرأى في وجهه الكراهة ، فقال : ، وخالفه ليس بنا رد عليك ولكنا حرم ، فرواه عن مالك عن الزهري عبيد الله بن عبد الله عن عن ابن عباس الصعب بن جثامة ، أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبواء أو بودان حمار وحش ، فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : . قال إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ابن إدريس : فقيل : إن لمالك يقول رجل حمار وحش ؟ فقال : ذاك غلام ذاك غلام . ورواه سفيان عن ابن جريج بإسناد كرواية الزهري ، وقال فيه : إنه أهدى له حمار وحش . وروى مالك عن الأعمش حبيب عن عن سعيد بن جبير ، أن ابن عباس مصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم ، فرده وقال : ، فهذا يدل على وهاء حديث لولا أنا حرم لقبلناه منك ، وأن الصحيح ما رواه سفيان لاتفاق هؤلاء الرواة عليه . وقد روي فيه وجه آخر مالك
، وهو ما روى أبو معاومة عن عن ابن جريج جابر بن زيد أبي الشعثاء عن أبيه قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن محرم أتي بلحم صيد يأكل منه ، فقال : احسبوا له قال : يعني إن كان صيد قبل أن يحرم فيأكل وإلا فلا . وهذا يحتمل أن يريد به [ ص: 149 ] إذا صيد من أجله أو أمر به أو أعانه أو دل عليه ونحو ذلك من الأسباب المحظورة . أبو معاوية