سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم
باب النهي عن مجالسة الظالمين قال الله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم الآية ، فأمر الله نبيه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله ، وهي القرآن ، بالتكذيب وإظهار الاستخفاف إعراضا يقتضي الإنكار عليهم وإظهار الكراهة لما يكون منهم إلا أن يتركوا ذلك ويخوضوا في حديث غيره .
وهذا يدل على أن علينا ترك مجالسة الملحدين وسائر الكفار عند إظهارهم الكفر والشرك وما لا يجوز على الله تعالى إذا لم يمكنا إنكاره وكنا في تقية من تغييره باليد أو اللسان ؛ لأن علينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله به إلا أن تقوم الدلالة على أنه مخصوص بشيء منه قوله تعالى : وإما ينسينك الشيطان المراد : إن أنساك الشيطان ببعض الشغل فقعدت معهم وأنت ناس للنهي فلا شيء عليك في تلك الحال . ثم قال تعالى : فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين يعني : بعدما تذكر نهي الله تعالى لا تقعد مع الظالمين .
وذلك عموم في من أهل الشرك [ ص: 167 ] وأهل الملة لوقوع الاسم عليهم جميعا ، وذلك إذا كان في ثقة من تغييره بيده أو بلسانه بعد قيام الحجة على الظالمين بقبح ما هم عليه ، فغير جائز لأحد مجالستهم مع ترك النكير سواء كانوا مظهرين في تلك الحال للظلم والقبائح أو غير مظهرين له ؛ لأن النهي عام عن مجالسة الظالمين ؛ لأن في مجالستهم مختارا مع ترك النكير دلالة على الرضا بفعلهم ونظيره قوله تعالى : النهي عن مجالسة سائر الظالمين لعن الذين كفروا من بني إسرائيل الآيات ، وقد تقدم ذكر ما روي فيه ، وقوله تعالى : ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار قوله تعالى : وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت قال : هي منسوخة بقوله تعالى : قتادة فاقتلوا المشركين وقال : ليست بمنسوخة ، لكنه على جهة التهدد كقوله تعالى : مجاهد ذرني ومن خلقت وحيدا وقوله تبسل قال : ترتهن وقال الفراء الحسن ومجاهد : تسلم . وقال والسدي : تحبس . وقال قتادة : تفضح . ابن عباس
وقيل : أصله الارتهان ، وقيل : التحريم ، ويقال أسد باسل ؛ لأن فريسته مرتهنة به لا تفلت منه ، وهذا بسل عليك أي حرام عليك ؛ لأنه مما يرتهن به ، ويقال : أعطي الراقي بسلته أي أجرته ؛ لأن العمل مرتهن بالأجرة ، والمستبسل المستسلم لأنه بمنزلة المرتهن بما أسلم فيه