وحكي عن الأخفش : " ثم " هاهنا بمعنى الواو . وذكر الزجاج أن ذلك خطأ عند النحويين .
قال : ونظيره قوله تعالى : أبو بكر ثم الله شهيد على ما يفعلون ومعناه : والله شهيد . قوله تعالى : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك يدل على أن الأمر يقتضي الوجوب بنفس وروده غير محتاج إلى قرينة في إيجابه ؛ لأنه علق الذم بتركه الأمر المطلق . وقيل في قوله تعالى ألا تسجد إن " لا " هاهنا صلة مؤكدة .
وقيل إن معناه : ما دعاك إلى أن لا تسجد وما أحوجك ؟ وقيل في السجود لآدم وجهان :
أحدهما : التكرمة لأن الله قد امتن به على عباده وذكره بالنعمة فيه ، والثاني : أنه كان قبلة لهم كالكعبة .
قوله تعالى : فبما أغويتني قيل فيه : خيبتني ، كقول الشاعر :
ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
يعني : من يحب . وحكى لنا أبو عمر غلام عن ثعلب عن ثعلب ابن الأعرابي قال : يقال غوى الرجل يغوي غيا إذا فسد عليه أمره أو فسد هو في نفسه ، ومنه قوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى أي فسد عليه عيشه في الجنة ؛ قال : ويقال غوى الفصيل إذا لم يرو من لبن أمه . وقيل في أغويتني أي حكمت بغوايتي ، كقولك أضللتني أي حكمت بضلالتي . وقيل : أغويتني أي أهلكتني . فهذه الوجوه الثلاثة محتملة في إبليس .وقوله تعالى : وعصى آدم ربه فغوى ويحتمل فساد أمره في الجنة ، وهو يرجع إلى معنى الخيبة ، ولا يحتمل الهلاك ولا الحكم بالغواية التي هي ضلال ؛ لأن أنبياء الله لا يجوز ذلك عليهم . قوله تعالى : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم روي عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة والحكم : والسدي من بين أيديهم ومن خلفهم من قبل دنياهم وآخرتهم ، من جهة حسناتهم وسيئاتهم . وقال : من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون . وقيل : { من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم } . ولم يقل من فوقهم ، قال مجاهد : لأن رحمة الله تنزل عليهم من فوقهم ، ولم يقل من تحت أرجلهم لأن الإتيان منه ممتنع إذا أريد به [ ص: 203 ] الحقيقة . ابن عباس
قوله تعالى : ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين قرن قربهما الشجرة ، إلا أنه معلوم شرط الذكر فيه وتعمد الأكل مع العلم به ؛ لأنه لا يؤاخذ بالنسيان والخطإ فيما لم يقم عليه دليل قاطع . ولم يكن أكلهما للشجرة معصية كبيرة بل كانت صغيرة من وجهين :
أحدهما : أنهما نسيا الوعيد وظنا أنه نهي استحباب لا إيجاب ، ولهذا قال : فنسي ولم نجد له عزما
والثاني : أنه أشير لهما إلى شجرة بعينها وظنا المراد العين وكان المراد الجنس ، كقوله صلى الله عليه وسلم حين أخذ ذهبا وحريرا فقال : هذان مهلكا أمتي وإنما أراد الجنس لا العين دون غيرها .