باب إباحة ركوب البحر وفي قوله تعالى : والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس  دلالة على إباحة ركوب البحر غازيا وتاجرا ومبتغيا لسائر المنافع  ؛ إذ لم يخص ضربا من المنافع دون غيره . وقال تعالى : هو الذي يسيركم في البر والبحر  وقال : ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله  وقوله : ولتبتغوا من فضله  قد انتظم التجارة وغيرها ، كقوله تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله  وقال تعالى : ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم  وقد روي عن جماعة من الصحابة إباحة التجارة في البحر ، وقد كان  عمر بن الخطاب  منع الغزو في البحر إشفاقا على المسلمين  . 
وروي عن  ابن عباس  أنه قال  : " لا يركب أحد البحر إلا غازيا أو حاجا أو معتمرا " وجائز أن يكون ذلك منه على وجه المشورة والإشفاق على راكبه . 
وقد روي ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن بكر البصري  قال : حدثنا  أبو داود  قال : حدثنا  سعيد بن منصور  قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا  ، عن مطرف  ، عن بشر أبي عبيد الله  ، عن بشير بن مسلم ،  عن  عبد الله بن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله ، فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا وجائز أن يكون ذلك على وجه الاستحباب لئلا يغرر بنفسه في طلب الدنيا وأجاز ذلك في الغزو والحج والعمرة ؛ إذ لا غرر فيه ؛ لأنه إن مات في هذا الوجه غرقا كان شهيدا . 
وحدثنا محمد بن بكر  قال : حدثنا  أبو داود   : حدثنا سليمان بن داود العتكي   : حدثنا  حماد بن زيد ،  عن  يحيى بن سعيد  ، عن  محمد بن يحيى بن حبان  ، عن  أنس بن مالك  قال : حدثتني  أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندهم فاستيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : يا رسول الله وما أضحكك ؟ قال : رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة قالت : قلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال : فإنك منهم قالت : ثم نام فاستيقظ وهو يضحك ، قالت : فقلت : يا رسول الله ما أضحكك ؟ فقال مثل مقالته . قلت : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال : أنت من الأولين . قال : فتزوجها  عبادة بن الصامت  فغزا في البحر فحملها معه ، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها فماتت  . 
وحدثنا محمد بن بكر  قال : حدثنا  أبو داود  وحدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الجويري الدمشقي  قال : حدثنا مروان  قال : أخبرنا هلال بن ميمون الرملي  ، عن يعلى بن شداد  ،  [ ص: 132 ] عن  أم حرام  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد ، والغرق له أجر شهيدين والله تعالى أعلم . 
				
						
						
