باب أكل الجراد قال أصحابنا رضي الله عنهم : لا بأس بأكل الجراد كله ما أخذته وما وجدته ميتا . والشافعي
وروى عن ابن وهب أنه إذا أخذه حيا ثم قطع رأسه وشواه أكل ، وما أخذ حيا فغفل عنه حتى مات لم يؤكل ، وإنما هو بمنزلة ما لو وجده ميتا قبل أن يصطاده فلا يؤكل ، وهو قول مالك الزهري وربيعة . وقال : " وما قتله مجوسي لم يؤكل " . مالك
وقال : " أكره أكل الجراد ميتا ، فأما الذي أخذته حيا فلا بأس به " قال الليث بن سعد : قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبو بكر ابن عمر يوجب إباحته جميعه ، مما وجد ميتا ومما قتله آخذه . أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد
وقد استعمل الناس جميعهم هذا الخبر في إباحة فوجب استعماله على عمومه من غير شرط لقتل آخذه ؛ إذ لم يشترطه النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا أكل الجراد قال : حدثنا [ ص: 136 ] عبد الباقي قال : حدثنا الحسن بن المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم زكريا بن يحيى بن عمارة الأنصاري قال : حدثنا فائد أبو العوام ، عن عن أبي عثمان النهدي ، سلمان . ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد قال : أكثر جنود الله ، لا آكله ولا أحرمه
وما لم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم فهو مباح وترك أكله لا يوجب حظره ؛ إذ جائز ترك أكل المباح وغير جائز نفي التحريم عما هو محرم ، ولم يفرق بين ما مات وبين ما قتله آخذه .
وقال عن عطاء : جابر . وقال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا جرادا فأكلناه : عبد الله بن أبي أوفى قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد ولا نأكل غيره : ولم يفرق بين ميته وبين مقتوله ، حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عبد الباقي موسى بن زكريا التستري قال : حدثنا أبو الخطاب قال : حدثنا أبو عتاب : حدثنا النعمان ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن : عائشة أنها كانت تأكل الجراد وتقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكله قال : فهذه الآثار الواردة في الجراد لم يفرق في شيء منها بين ميته وبين مقتوله . أبو بكر
فإن قيل : ظاهر قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة يقتضي حظر جميعها فلا يخص منها إلا ما أجمعوا عليه ، وهو ما يقتله آخذه ، وما عداه فهو محمول على ظاهر الآية في إيجاب تحريمه قيل له : تخصه الأخبار الواردة في إباحته وهي مستعملة عند الجميع في تخصيص الآية .
ولم تفرق هذه الأخبار بين شيء منها ، فلم يجز تخصيص شيء منها ولا الاعتراض عليها بالآية لاتفاق الجميع على أنها قاضية على الآية مخصصة لها .
وليس الجراد عندنا مثل السمك في حظرنا للطافي منه دون غيره ؛ لأن الأخبار الواردة في تخصيص السمك بالإباحة من جملة الميتة بإزائها أخبار أخر في حظر الطافي منه ، فاستعملناها جميعا وقضينا بالخاص منها على العام مع معاضدة الآية لأخبار الحظر . وأيضا فإنه لما وافقنا ومن تابعه على إباحة المقتول منه دل ذلك على أنه لا فرق بينه وبين الميت من غير قتل ؛ وذلك لأن القتل ليس بذكاة في حقه ؛ لأن الذكاة في الأصل على وجهين وهي فيما له دم سائل : مالك
أحدهما قطع الحلقوم والأوداج في حال إمكانه ، والآخر : إسالة دمه عند تعذر الذبح ، ألا ترى أن الصيد لا يكون مذكى بإصابته إلا أن يجرحه ويسفح دمه ؟ فلما لم يكن للجراد دم سائل كان قتله وموته حتف أنفه سواء ، كما كان قتل ما له دم سائل من غير سفح دمه وموته حتف أنفه سواء في كونه غير مذكى . فكذلك واجب أن يستوي حكم قتل الجراد وموته حتف أنفه ؛ إذ ليس هو مما يسفح دمه .
فإن قيل : قد فرقت بين السمك [ ص: 137 ] الطافي وما قتله آخذه أو مات بسبب حادث ، فما أنكرت من فرقنا بين ما مات من الجراد وما قتل منه ؟ قيل له : الجواب عن هذا من وجهين :
أحدهما أن هذا هو القياس في السمك لما لم يحتج في صحة ذكاته إلى سفح الدم ، إلا أنا تركنا القياس للآثار التي ذكرنا ، ومن أصلنا تخصيص القياس بالآثار .
وليس معك الأثر في تخصيص بعض الجراد بالإباحة دون بعض ، فوجب استعمال أخبار الإباحة في الكل والوجه الآخر : أن السمك له دم سائل فكان له ذكاة من جهة القتل ولم يحتج إلى سفح دمه في شرط الذكاة ؛ لأن دمه طاهر وهو يؤكل بدمه ، فلذلك شرط فيه موته بسبب حادث يقوم له مقام الذكاة في سائر ما له دم سائل ، وهذا المعنى غير موجود في الجراد ، فلذلك اختلفا ، وقد روي عن أنه قال : " الجراد كله ذكي " وعن ابن عمر عمر وصهيب والمقداد إباحة أكل الجراد ، ولم يفرقوا بين شيء منه ، والله أعلم .