ولهذا كالرازي: "إن الشخص المعين إما أن يدرك بحيث يمنع نفس إدراكه من الشركة، وإما أن لا يكون كذلك. قال الشارحون لكلامه
والأول لا يخلو: إما أن يتوقف حصول ذلك الإدراك على وجود ذلك المدرك في الخارج أو لا يتوقف.
فهذه أقسام ثلاثة: أولها: الإدراك الذي يجتمع فيه الأمران، وهو أن يكون مانعا من الشركة، ويكون متوقفا على وجود المدرك في الخارج، وهذا هو إدراك الحس، فإني إذا أبصرت زيدا، فالمبصر يمنع لذاته من أن يكون مشتركا فيه بين كثيرين، وهذا الإبصار لا يحصل إلا عند حصول المدرك في الخارج.
[ ص: 28 ] وثانيها: أن يحصل فيه أحد الموضعين دون الآخر، فيكون مانعا من الشركة، ولكنه لا يتوقف على الوجود الخارجي، وهو التخيل.
فإني إذا شاهدت زيدا ثم غاب، فإني أتخيله على ما هو عليه من الشخصية، فنفس ما تخيلته يمنع من الشركة، وأما هذا الإدراك فإنه لا يتوقف على وجود المدرك في الخارج، فإني يمكنني أن أتخيله بعد عدمه.
وثالثها: أن يخلو عن الموضعين جميعا، فلا يكون مانعا من الشركة، ولا موقوفا على وجود المدرك في الخارج، وهو المسمى بالإدراك العقلي".