قال (هذا القول هو قول في أعلى مراتب الجدل، وليس هو واصلا موصل البراهين، لأن مقدماته هي عامة، والعامة قريبة من المشتركة، ومقدمات البراهين هي من الأمور الجوهرية المناسبة، ابن رشد: [ ص: 196 ] وذلك أن الممكن يقال باشتراك على الممكن الأكثري، والممكن الأقلي، والذي على التساوي، وليس ظهور الحاجة فيها إلى مرجح على التساوي، وذلك أن الممكن الأكثري قد يظن به أن يترجح من ذاته، لا من مرجح خارج عنه، بخلاف الممكن على التساوي.
والإمكان أيضا منه ما هو من الفاعل، وهو إمكان الفعل، ومنه ما هو من المنفعل، وهو إمكان القبول، وليس ظهور الحاجة فيهما إلى المرجح على السواء. وذلك أن الإمكان الذي في المنفعل مشهور حاجته إلى المرجح من خارج، لأنه يدرك حسا في الأمور الصناعية وكثير من الأمور الطبيعية، وقد يلحق فيه شك في الأمور الطبيعية، لأن أكثر الأمور الطبيعة مبدأ تغيرها منها، ولذلك يظن في كثير منها أن المحرك هو المتحرك، وأنه ليس معروفا بنفسه: أن كل متحرك فله محرك، وأنه ليس ها هنا شيء يحرك ذاته. فإن هذا كله يحتاج إلى بيان، فلذلك فحص عنه القدماء.
وإما الإمكان الذي في الفاعل، فقد يظن في كثير منها أنه لا يحتاج في خروجه إلى الفعل إلى مرجح من خارج، لأن انتقال الفاعل من أن لا يفعل إلى أن يفعل، قد يظن بكثير منه أنه ليس تغيرا يحتاج إلى مغير، مثل انتقال المهندس من أن لا يهندس إلى أن يهندس، وانتقال المعلم من أن لا يعلم إلى أن يعلم) .