[ ص: 43 ] وكذلك لفظ "التخيل" لا يريدون تخيل ما لا وجود له في الخارج، بل هذا وهذا يتناول عندهم توهم ما له وجود في الخارج، وتخيل ما له وجود في الخارج، وهو إدراك صحيح صادق مطابق.
وذلك لأن لفظ "الوهم" و "الخيال" كثيرا ما يطلق على تصور ما لا حقيقة له في الخارج، بل هذا المعنى هو المعروف من لغة العرب.
قال الجوهري: "وهمت في الحساب أوهم وهما، إذا غلطت فيه وسهوت، ووهمت في الشيء بالفتح أوهم وهما، إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره، وتوهمت: أي ظننت، وأوهمت غيري إيهاما، والتوهم مثله، واتهمت فلانا بكذا، والاسم التهمة بالتحريك.
ويقال: أوهم في الحساب مائة أي أسقط، وأوهم في صلاته ركعة، ويقال: قد أيهم إذا صار به الريبة".
قلت: فهذا قد نقل في "صحاحه" المشهور في لغة العرب، أن مادة هذا اللفظ تستعمل في جهة الغلط بمعنى الخطأ [ ص: 44 ] تارة، وتستعمل بمعنى الظن تارة، ولم ينقل أنها تستعمل بمعنى اليقين، وهم يستعملونها في تصور يقيني، وهو تصور المعاني التي ليست بمحسوسة ولا ريب في ثبوتها، كعداوة الذئب للنعجة، وصداقة الكبش لها، وهو في لغة العرب يقال في هذه المعاني: تصورتها وعملتها وتحققتها وتيقنتها وتبينتها، ونحو ذلك من الألفاظ الدالة على العلم، ولا يقال: توهمتها، وإلا إذا لم تكن معلمه، فاصطلاحهم مضاد للمعروف في لغة العرب، بل وفي سائر اللغات. أبو نصر الجوهري
وإذا كان كذلك، فالإدراك الصحيح، الذي يسمونه هم توهما وتخيلا، هو نوع من التصور والشعور والمعرفة.