فلو قال قائل: يمكن في الموجود غير المحسوس أن يكون لا واجبا ولا ممكنا، ولا قديما ولا محدثا، ولا قائما بنفسه ولا قائما بغيره -كان بمنزلة قول القائل: يمكن فيه أن يكون لا مباينا لغيره ولا محايثا له، ولا مداخلا له ولا خارجا عنه.
وإن جاز أن يقال لهذا: هذه قضايا وهمية، والوهم تابع للحس، جاز أن يقال للأول: وهذه قضايا وهمية، أو يقال: قضايا حسية وحكم الحس والوهم لا يقبل إلا في الحسيات، فلا يحكم في الوجود المطلق وتوابعه، لأن ذلك معقول غير محسوس، فما به ترد تلك القضايا الكلية يمكن أن يقال في أمثالها من القضايا الكلية المتناولة لجميع الموجودات والمعلومات.
وأما قوله في بيان أنها كاذبة: "من المعلوم أن المحسوسات إذا كان لها مبادئ وأصول، كانت تلك قبل المحسوسات ولم تكن محسوسة، ولم يكن وجودها على نحو وجود المحسوسات، فلم يمكن أن يتمثل ذلك الوجود في الوهم".
[ ص: 90 ] فيقال له: هذا كلام على تقدير أن يكون للمحسوسات مباد لا يمكن تعلق الحس بها، وهذا هو رأس المسألة وأول النزاع، فإذا جعلت هذا حجة في إثبات مطلوبك فقد صادرت على المطلوب.