[ ص: 101 ] والمشهورات: إما من الواجبات، وإما من التأديبات الصلاحية، وما تتطابق عليها الشرائع الإلهية، وإما خلقيات وانفعاليات، وإما استقرائيات، وهي: إما بحسب الإطلاق، وإما بحسب صناعة.
قلت: ليس هذا موضع بسط القول.
"وأما القضايا الوهمية الصرفة فهي قضايا كاذبة، إلا أن الوهم الإنساني يقضي بها قضاء شديد القوة؛ لأنه ليس يقبل ضدها ومقابلها، بسبب أن الوهم تابع للحس، ابن سينا: فما لا يوافق الحس لا يقبله الوهم، ومن المعلوم أن المحسوسات إذا كان لها مبادئ وأصول كانت تلك قبل المحسوسات، ولم تكن محسوسة، ولم يكن [ ص: 102 ] وجودها على نحو وجود المحسوسات، فلم يمكن أن يتمثل ذلك الوجود في الوهم، ولهذا كان الوهم مساعدا للعقل في الأصول التي تنتج وجود تلك المبادئ، فإذا تعديا معا إلى النتيجة نكص الوهم، وامتنع عن قبول ما سلم موجبه. وهذا الضرب من القضايا أقوى في النفس من المشهورات التي ليست بأولية، وتكاد تشاكل الأوليات، وتدخل في المشبهات بها، وهي أحكام للنفس في أمور متقدمة على المحسوسات، أو أعم منها، على نحو ما يجب أن لا يكون لها، وعلى نحو ما يجب أن يكون أو يظن في المحسوسات، مثل اعتقاد المعتقد أنه لا بد من خلاء ينتهي إليه الملاء إذا تناهى، وأنه لا بد في كل موجود من أن يكون مشارا إلى جهة وجوده". قال
فيقال له: هذا الكلام إنما يصح أن لو ثبت وجود أمور لا يمكن الإحساس بها، حتى يكون حكم هذه في ما هو مقدم على تلك، أو ما هو أعم منها، وثبوت وجود هذه الأمور إنما يصح إذا ثبت إمكان ذلك، وإمكان ذلك إنما يصح إذا ثبت بطلان هذه القضايا التي يسميها "الوهميات"، فلو أبطلت هذه الوهميات بإثبات ذلك لزم الدور، فإن هذه القضايا تحكم بامتناع وجود ما لا يمكن الإشارة إليه، والمقدمات [ ص: 103 ] التي تثبت ذلك ليست مسلمة عندها، بل لا يمكن عندها تسليم ما يستلزم نقيض ذلك، فإنه قدح في الضروريات بالنظريات.
وأيضا فالوهم عندهم إنما يتصور معاني جزئية، وهذه قضايا كلية، فامتنع أن تكون وهمية.
وأيضا فما يثبت به وجود هذه الموجودات قضايا سوفسطائية، كما بين في موضعه.