والناس في هذا المقام: كما يقول ذلك من يقوله من أهل المنطق، ومن وافقهم من نفاة قياس التمثيل في العقليات والشرعيات، كابن حزم وأمثاله. منهم من يزعم أن القياس البرهاني هو قياس الشمول، وأن قياس التمثيل لا يفيد اليقين، بل لا يسمى قياسا إلا بطريق المجاز،
ومنهم من ينفي قياس التمثيل في العقليات دون الشرعيات، كأبي المعالي ومتبعيه، مثل الغزالي والرازي والآمدي وأبي محمد المقدسي وأمثالهم.
ومنهم من يعكس ذلك فيثبت قياس التمثيل في العقليات دون الشرعيات، كما هو قول أئمة أهل الظاهر، مثل داود بن علي وأمثاله، [ ص: 126 ] وقول كثير من المعتزلة البغداديين، كالنظام وأمثاله، ومن الشيعة الإمامية، كالمفيد والمرتضى وأمثالهم. والطوسي
وكثير من هؤلاء يقول: إن قياس التمثيل هو الذي يستحق أن يسمى قياسا على سبيل الحقيقة، وأما تسمية قياس الشمول قياسا فهو مجاز، كما ذكر ذلك الغزالي وغيرهما. وأبو محمد المقدسي
والذي عليه جمهور الناس، وهو الصواب، أن كليهما قياس حقيقة، وأن كليهما يفيد اليقين تارة والظن أخرى، بل هما متلازمان، فإن قياس التمثيل مضمونه تعلق الحكم بالوصف المشترك، الذي هو علة الحكم، أو دليل العلة، أو هو ملزوم للحكم، وهذا المشترك هو الحد الأوسط في قياس الشمول، فإذا قال القايس: نبيذ الحنطة المسكر حرام، قياسا على نبيذ العنب، لأنه شراب مسكر، فكان حراما قياسا عليه، وبين أن السكر هو مناط التحريم، فيجب تعلق التحريم بكل مسكر - كان هذا قياس تمثيل. وهو بمنزلة أن يقول: هذا شراب مسكر، وكل مسكر حرام، فالمسكر الذي جعله في هذا القياس حدا أوسط، هو الذي جعله في ذلك القياس الجامع المشترك الذي هو مناط الحكم، فلا فرق بينهما عند التحقيق في المعنى، بل هما متلازمان، وإنما يتفاوتان في ترتيب المعاني والتعبير عنها، ففي الأول يؤخر الكلام في المشترك الذي هو الحد الأوسط، وبيان أنه مستلزم للحكم متضمن له، ويذكر الأصل الذي هو نظير الفرع ابتداء. وفي الثاني يقدم الكلام في الحد الوسط ويبين شموله وعمومه، وأنه مستلزم للحكم ابتداء.