وكذلك الأثير الأبهري في كتابه المعروف "بتحرير الدلائل في تقرير المسائل" -هو وغيره- قدحوا في تلك الطرق وبينوا وذكر فساد عمدة الدليل، وهو بطلان حوادث لا أول لها. الدليل المتقدم: دليل الحركة والسكون، وقولهم: لو كان الجسم أزليا لكان: إما متحركا وإما ساكنا، والقسمان باطلان. الأبهري
أما الأول فلأنها لو كانت متحركة للزم الجمع بين المسبوقية بالغير وعدم المسبوقية بالغير، لأن الحركة تقتضي المسبوقية بالغير، والأزل يقتضي عدم المسبوقية، فيلزم الجمع بينهما، ولأنها لو كانت متحركة لكانت بحال لا يخلو عن الحوادث، وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، وإلا لكان الحادث أزليا. وهو محال. ولأنها لو كانت متحركة [ ص: 186 ] لكانت الحركة اليومية موقوفة على انقضاء ما لا نهاية له، وانقضاء ما لا نهاية له محال، والموقوف على المحال محال. ولأنها لو كانت متحركة، لكان قبل كل حركة حركة أخرى لا إلى أول، وهو محال. ولأن الحاصل من الحركة اليومية إلى الأزل جملة، ومن الحركة التي قبل الحركة اليومية إلى الأزل جملة أخرى، فتطبق إحداهما على الأخرى بأن يقابل الجزء الأول من الجملة الثانية، وبالجزء الأول من الجملة الأولى، والثاني بالثاني، فإما أن يتطابقا إلى غير النهاية أو لم يتطابقا، فإن تطابقا كان الزائد مثل الناقص، وإن لم يتطابقا لزم انقطاع الجملة الثانية، وإذا لزم انقطاع الجملة الثانية لزم انقطاع الجملة الأولى أيضا، لأن الأولى لا تزيد على الثانية إلا بمرتبة واحدة.
ثم تكلم على تقدير السكون، وهذا هو الذي تقدم ذكر الرازي له.
ومن تدبر كتب أهل الكلام، من المعتزلة وغيرهم، في حدوث الأجسام، علم أن هذا عمدة القوم.