فقولك: لو كان قاصدا إلى إيجاد الموجود، إن أردت إلى إيجاد ما هو موجود بدون قصده فهذا ممنوع، وإنما يستقيم هذا إذا ثبت أن الأزلي لا يمكن أن يكون مرادا مقصودا، وهو أول المسألة، وإن أردت إلى إيجاد ما هو موجود بقصده، فهذا هو المدعى، فكأنك قلت: لو كان مقصودا لأزلي موجودا بقصده لكان موجودا بقصده، وإذا كان هذا هو المدعى، فلم قلت: إنه محال؟ ولكن يلزم هؤلاء على هذا التقدير أن لا يكون فرق بين الموجب بالذات والفاعل بالاختيار، وهم يقولون: إن أريد بالموجب الذات أنه لم يزل فاعلا، فهذا لا يمنع كونه مختارا على هذا التقدير، وإن أريد به ما يلزمه موجبه ومعلوله، فهذا أيضا لا يمنع كونه مختارا أيضا على هذا التقدير.
وهذا القسم باطل بلا شك، سواء سمي موجبا أو مختارا، لأن ذلك يستلزم أن لا يحدث شيء من الحوادث، فإن موجبه إذا كان لازما له -ولازم اللازم لازم- كانت جميع الموجبات لوازم قديمة، فلا يكون شيء من المحدثات صادرا عنه ولا عن غيره، إذ القول في كل ما يقدر واجبا كالقول فيه، فيلزم أن لا يكون للحوادث فاعل.
ولا ريب أن هذا لازم للفلاسفة الدهرية الإلهيين وغيرهم، كأرسطو والفارابي لزوما لا محيد عنه، وأن قولهم يستلزم أن [ ص: 191 ] لا يكون للحوادث فاعل، وأن هذه الحوادث الممكنة حصلت بعد عدمها من غير واجب ولا فاعل. وابن سينا،
وأما القسم الأول، وهو كونه لم يزل فاعلا، سواء سمي موجبا أو مختارا، فهذا لا يوجب قدم هذا العالم، لإمكان توقفه على أفعال قبل ذلك، كما تحدث سائر الحوادث الجزئية.