سلك طريقته المعروفة، وهو الاستدلال بالوجود على الواجب، ثم دعواه أن الواجب لا يجوز أن يتعدد ولا تكون له صفة، وهذه أيضا طريقة ضعيفة، ولعلها أضعف من طريقة أولئك، أو نحوها، أو قريب منها. وابن سينا
وإذا كان كلام قدمائهم في العلم بالله تعالى قليلا كثير الخطأ، فإنما كثر كلام متأخريهم لما صاروا من أهل الملل، ودخلوا في دين المسلمين واليهود والنصارى، وسمعوا ما أخبرت به الأنبياء من أسماء الله وصفاته وملائكته وغير ذلك، فأحبوا أن يستخرجوا من أصول سلفهم ومن كلامهم ما يكون فيه موافقة لما جاءت به الأنبياء لما رأوا في ذلك من الحق العظيم الذي لا يمكن جحده، والذي هو أشرف المعارف وأعلاها، فصار كل منهم يتكلم بحسب اجتهاده، لون، فالفارابي لون، وابن سينا وأبو البركات صاحب "المعتبر" لون، لون، وابن رشد الحفيد لون، وغير هؤلاء ألوان أخر. والسهروردي المقتول
وهم في هواهم بحسب ما يتيسر لهم من النظر في كلام أهل [ ص: 248 ] الملل. فمن نظر في كلام المعتزلة والشيعة، وأمثاله، فكلامه لون، ومن خالط أهل السنة وعلماء الحديث، كابن سينا كأبي البركات فكلامه لون آخر أقرب إلى صريح المعقول وصحيح المنقول من كلام وابن رشد ابن سينا.
لكن قد يخفى ذلك على من يمعن النظر، ويظن أن قول ابن سينا أقرب إلى المعقول، كما يظن أن كلام المعتزلة والشيعة أقرب إلى المعقول من كلام الأشعرية والكرامية وغيرهم من أهل الكلام، ومن نظار أهل السنة والجماعة. ومن المعلوم -بعد كمال النظر واستيفائه- أن كل من كان إلى السنة وإلى طريقة الأنبياء أقرب- كان كلامه في الإلهيات بالطرق العقلية أصح، كما أن كلامه بالطرق النقلية أصح، لأن دلائل الحق وبراهينه تتعاون وتتعاضد، لا تتناقض ولا تتعارض.
وما ذكره في اسم المكان يتوجه عند من يسلم له مذهب ابن رشد أرسطو، وأن المكان هو السطح الداخل الحاوي المماس للسطح الخارج المحوي. ومعلوم أن من الناس من يقول: إن للناس في المكان أقوالا أخر، منهم من يقول: إن المكان هو الجسم الذي يتمكن غيره عليه، ومنهم من يقول: إن المكان هو ما كان تحت غيره وإن لم يكن ذلك متمكنا عليه، ومنهم من يزعم أن المكان هو الخلاء وهو أبعاد.