فإن
قيل له: وفساد قول من يثبت موجودا لا داخل العالم ولا خارجه، هو معلوم بالضرورة بطريق الأولى. وقد تقدم بيان قول من يقول: إن فساد هذا القول معلوم بالضرورة، وإن المنازعين له يقولون: هذا حكم الوهم لا حكم العقل، فهكذا يقول هؤلاء: إن قولكم هذا فاسد، من حكم الوهم لا من حكم العقل. ادعى المدعي أن فساد قول من يثبت موجودا خارج العالم، لا أكبر ولا أصغر ولا مساويا، معلوم بالضرورة.
ولكن هؤلاء النفاة فيهم جهل وظلم، فإنهم يحتجون على منازعيهم بحجة هي لهم ألزم، ويثبتون قولهم بحجة هي على قول منازعيهم أدل، وهذا القول مع أنه أقرب إلى العقل فهو أقرب إلى السمع، فإن صاحبه لا يحتاج أن يتأول النصوص المثبتة للعلو والفوقية والاستواء، [ ص: 292 ] فيكون قوله أقرب إلى اتفاق الشرع والعقل، وأقرب إلى الشرع منفردا، وأقرب إلى العقل منفردا، فيكون أرجح من قولهم على كل تقدير.
وهكذا هو عند أهل الإسلام، فإن الكلابية والكرامية والأشعرية أقرب إلى السنة والحق من جهمية الفلاسفة والمعتزلة ونحوهم، باتفاق جماهير المسلمين وعوامهم.