فلما لم يكن ذلك، دل على أن ذلك غير ثابت بالسمع، وإنما يثبت بالعقل الذي لا يتغير، ولا يجوز نكثه ونسخه. دليل سابع: لو لم تجب معرفته بالعقل لوجب أن يجوز على الله أن ينهى عن معرفته، وأن يأمر بكفره وعصيانه والجور والكذب، كما يجوز أن ينسخ ما شاء من السمعيات، ويوجب ما كان قد نهى عنه.
دليل آخر: أن الله وهب العقل وجعله كمالا للآدمي. وإذا أغفل النظر وضيع العقل إذا لم يقتبس منه خيرا، وإذا كان لا يقبح شيئا ولا يحسنه، فوجوده وعدمه سيان، وهذا لا يقوله عاقل.
وأيضا يدل على ذلك عبارة ملخصه: أن من وجد نفسه مؤثرا بآثار الصنعة، مستغرقا في أنواع النعمة، لم يستبعد أن يكون له صانع صنعه، وتولى تدبيره، وأنعم عليه، وأنه إن لم ينظر في حقيقة ذلك ليتوصل إلى الاعتراف له والتزام شكره، عوقب على ما أغفل من النظر، وضيع من الاعتراف والشكر، فإن العقل سيلزمه النظر لا محالة؛ إذ لا شيء أقرب إلى الإنسان من النظر، فدل على وجوبه بالعقل).