ولهؤلاء في نصوص الأنبياء طريقتان: طريقة التبديل، وطريقة التجهيل، أما أهل التبديل فهم نوعان: أهل الوهم والتخييل، وأهل التحريف والتأويل.
فأهل الوهم والتخييل هم الذين يقولون: إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنة والنار، بل وعن الملائكة، بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه، ولكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم، وأن الأبدان تعاد، وأن لهم نعيما محسوسا، وعقابا محسوسا، وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر، لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به [ ص: 9 ] ويتخيلون أن الأمر هكذا، وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور، إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق.
وقد وضع وأمثاله قانونهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية. ابن سينا
وهؤلاء يقولون: الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها، وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر، وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة.
ثم من هؤلاء من يقول: النبي كان يعلم الحق، ولكن أظهر خلافه للمصلحة.
ومنهم من يقول: ما كان يعلم الحق، كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم.
وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي، كما يفضل ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد على النبي، خاتم الأولياء - في زعمه - على الأنبياء، [ ص: 10 ] وكما يفضل ابن عربي الطائي الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف على النبي.
وأما الذين يقولون: إن النبي كان يعلم ذلك، فقد يقولون: إن النبي أفضل من الفيلسوف، لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة، وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف، وأمثاله من هؤلاء. وابن سينا
وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنية، كالملاحدة الإسماعيلية، وأصحاب [ ص: 11 ] رسائل «إخوان الصفاء» والفارابي وابن سينا المقتول، والسهروردي وملاحدة وابن رشد الحفيد، الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة: ابن عربي وابن سبعين صاحب رسالة حي بن يقظان وخلق كثير غير هؤلاء. وابن الطفيل
ومن الناس من يوافق هؤلاء فيما أخبرت به الأنبياء عن الله: أنهم قصدوا به التخييل دون التحقيق، وبيان الأمر على ما هو عليه دون اليوم الآخر.
ومنهم من يقول: بل قصدوا هذا في بعض ما أخبروا به عن الله، كالصفات الخبرية من الاستواء والنزول وغير ذلك، ومثل هذه الأقوال يوجد في كلام كثير من النظار ممن ينفي هذه الصفات في نفس الأمر، كما يوجد في كلام طائفة. [ ص: 12 ]