وعن هذا قالت المعتزلة   : إن القرآن مخلوق  ، لأنه لو قام بذاته للزم أن تقوم به الأفعال والصفات ، وأطبق السلف والأئمة على إنكار هذا عليهم . 
 [ ص: 25 ] وكل من خالفهم قبل  ابن كلاب  كان يقول بقيام الصفات والأقوال والأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته به ، لكن  ابن كلاب  ومتبعوه فرقوا بين ما يلزم الذات من أعيان الصفات كالحياة والعلم ، وبين ما يتعلق بالمشيئة والقدرة ، فقالوا هذا لا يقوم بذاته ، لأن ذلك يستلزم تعاقب الحوادث عليه كما سيأتي . 
 وابن كرام  كان متأخرا بعد محنة الإمام  أحمد بن حنبل  وتوفي  ابن كرام  في حدود ستين ومائتين ، فكان بعد  ابن كلاب  بمدة ، وكان أكثر أهل القبلة قبله على مخالفة المعتزلة  والكلابية  ، حتى طوائف أهل الكلام من الشيعة  والمرجئة  كالهشامية  وأصحاب أبي معاذ التومني  وزهير الأثري  وغيرهما ، كما ذكر ذلك عنهم  الأشعري  في المقالات . 
وأمثال هؤلاء كانوا يقولون بقيام الحوادث به ، حتى صرح طوائف منهم بالحركة ، كما صرح بذلك طوائف من أئمة الحديث والسنة ، وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء ، وأن الحركة من لوازم الحياة ، وأمثال ذلك . بل هم يقولون : إنه إنما ابتدع من ابتدع من أهل الكلام البدع المخالفة للنصوص وللمعقول بهذا الأصل ، كقول من قال : إن الكلام معنى واحد قديم ، وقول من قال : إن المعدوم يرى ويسمع ، وقول من قال بقدم صوت معين . 
وأما غير أهل الملل فالفلاسفة متنازعون في هذا الأصل ، والمحكي عن كثير من أساطينهم القدماء أنه كان يقول بذلك ، كما تقدم نقل "المقالات" عنهم ، حتى صرح بالحركة من صرح منهم ، بل الذين  [ ص: 26 ] كانوا قبل أرسطو من الأساطين ، كانوا يقولون بحدوث العالم عن أسباب حادثة ، وهم يقولون بهذا الأصل : إما تصريحا ، وإما لزوما . وكذلك غير واحد من متأخريهم كأبي البركات البغدادي  صاحب "المعتبر" ، وهذا اختيار طائفة من النظار كالأثير الأبهري  وغيره . 
وما حكاه عن أبي الحسين البصري  فهو قول غير واحد قبل أبي الحسين  وبعده ، كهشام   [ونحوه] وغيره .  وابن عقيل  يختار قول أبي الحسين  ، وهو معنى قول السلف ، والرازي  يميل إلى قول أبي الحسين  ، بل وإلى زيادة على قوله ، كما ذكره في "المطالب العالية"، بل ينصره . وقوله عن الكرامية  إنهم قالوا : أسماؤه كلها أزلية ، أي معاني أسمائه ، أي ما لأجله استحق تلك الأسماء ، كالخالقية والرازقية . 
وأما نفس الاسم فهو من كلامه ، وكلامه عندهم حادث قائم بذاته ، ويمتنع عندهم أن يكون في الأزل كلام أو أسماء ، لأن ذلك يقتضي حوادث لا أول لها ، أو يقتضي قدم القول المعين ، وكلاهما باطل عندهم . 
وحكايته عن الكرامية  أنهم يقولون : خلق الإرادة والقول في ذاته مستند إلى القدرة القديمة ، وخلق ما في المخلوقات يستند إلى [ ص: 27 ] الإرادة والقول ، تعبير عن مذهبهم بعبارته ، وإلا فهم لا يسمون شيئا مما يقوم بذات الرب لا مخلوقا ولا محدثا ، وإنما يقولون : "حادث" ، ولا يقولون : إن إرادته وكلامه لا مخلوق ولا محدث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					