[ ص: 195 ]  ( ثم أتبع سببا   ( 92  ) حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا    ( 93 ) قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا   ( 94 ) قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما   ( 95 ) آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا   ( 96 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عن ذي القرنين : ( ثم أتبع سببا   ) أي : ثم سلك طريقا من مشارق الأرض . ( حتى إذا بلغ بين السدين   ) وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك ، فيعيثون فيهم فسادا ، ويهلكون الحرث والنسل ، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم ،  عليه السلام ، كما ثبت في الصحيحين :  " إن الله تعالى يقول : يا آدم . فيقول : لبيك وسعديك . فيقول : ابعث بعث النار . فيقول : وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة ؟ فحينئذ يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، فيقال : إن فيكم أمتين ، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه : يأجوج ومأجوج "  . 
وقد حكى النووي  ، رحمه الله ، في شرح " مسلم   " عن بعض الناس : أن يأجوج ومأجوج  خلقوا من مني خرج من آدم  فاختلط بالتراب ، فخلقوا من ذلك فعلى هذا يكونون مخلوقين من آدم ،  وليسوا من حواء . وهذا قول غريب جدا ، [ ثم ] لا دليل عليه لا من عقل ولا [ من ] نقل ، ولا يجوز الاعتماد هاهنا على ما يحكيه بعض أهل الكتاب ؛ لما عندهم من الأحاديث المفتعلة ، والله أعلم . 
وفي مسند  الإمام أحمد  ، عن سمرة ؛  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " ولد نوح  ثلاثة : سام  أبو العرب ، وحام  أبو السودان ، ويافث  أبو الترك "  . قال بعض العلماء : هؤلاء من نسل يافث  أبي الترك ،  قال : [ إنما سموا هؤلاء تركا ؛ لأنهم تركوا من وراء السد من هذه الجهة ، وإلا فهم أقرباء أولئك ، ولكن كان في أولئك بغي وفساد وجراءة . وقد ذكر ابن جرير  هاهنا عن  وهب بن منبه  أثرا طويلا عجيبا في سير  ذي القرنين  ، وبنائه السد ، وكيفية ما جرى له ، وفيه طول وغرابة ونكارة في أشكالهم وصفاتهم ، [ وطولهم ] وقصر بعضهم ، وآذانهم . وروى ابن أبي حاتم  أحاديث غريبة في ذلك لا تصح أسانيدها ، والله أعلم . 
وقوله : ( وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا   ) [ أي ] : لاستعجام كلامهم وبعدهم  [ ص: 196 ] عن الناس . 
( قالوا ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا   ) قال  ابن جريج  عن عطاء ،  عن ابن عباس   : أجرا عظيما ، يعني أنهم أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مالا يعطونه إياه ، حتى يجعل بينهم وبينهم سدا  . فقال ذو القرنين  بعفة وديانة وصلاح وقصد للخير : ( ما مكني فيه ربي خير   ) أي : إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه ، كما قال سليمان عليه السلام : ( أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون   ) [ النمل : 36 ] وهكذا قال ذو القرنين   : الذي أنا فيه خير من الذي تبذلونه ، ولكن ساعدوني ) بقوة ) أي : بعملكم وآلات البناء ، ( أجعل بينكم وبينهم ردما  آتوني زبر الحديد   ) والزبر : جمع زبرة ، وهي القطعة منه ؛ قاله ابن عباس  ، ومجاهد ،  وقتادة   . وهي كاللبنة ، يقال : كل لبنة [ زنة ] قنطار بالدمشقي ، أو تزيد عليه . 
( حتى إذا ساوى بين الصدفين   ) أي : وضع بعضه على بعض من الأساس حتى إذا حاذى به رءوس الجبلين طولا وعرضا . واختلفوا في مساحة عرضه وطوله على أقوال . ( قال انفخوا   ) أي : أجج عليه النار حتى صار كله نارا ، ( قال آتوني أفرغ عليه قطرا   ) قال ابن عباس  ، ومجاهد ،  وعكرمة ،  والضحاك ،  وقتادة ،   والسدي   : هو النحاس . وزاد بعضهم : المذاب . ويستشهد بقوله تعالى : ( وأسلنا له عين القطر   ) [ سبإ : 12 ] ولهذا يشبه بالبرد المحبر . 
قال ابن جرير   : حدثنا بشر ،  حدثنا يزيد ،  حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قال : ذكر لنا أن رجلا قال : يا رسول الله ، قد رأيت سد يأجوج ومأجوج  ، قال : " انعته لي " قال : كالبرد المحبر ، طريقة سوداء . وطريقة حمراء . قال : " قد رأيته "  . هذا حديث مرسل . 
وقد بعث الخليفة الواثق في دولته بعض أمرائه ، ووجه معه جيشا سرية ، لينظروا إلى السد ويعاينوه وينعتوه له إذا رجعوا . فتوصلوا من بلاد إلى بلاد ، ومن ملك إلى ملك ، حتى وصلوا إليه ، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس ، وذكروا أنهم رأوا فيه بابا عظيما ، وعليه أقفال عظيمة ، ورأوا بقية اللبن والعمل في برج هناك . وأن عنده حرسا من الملوك المتاخمة له ، وأنه منيف عال ، شاهق ، لا يستطاع ولا ما حوله من الجبال . ثم رجعوا إلى بلادهم ، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين ،  [ ص: 197 ] وشاهدوا أهوالا وعجائب . 
ثم قال الله تعالى : 
				
						
						
