( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا    ( 97 ) ) 
( قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا   ( 98 ) وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا   ( 99 ) ) . 
يقول تعالى مخبرا عن يأجوج ومأجوج  أنهم ما قدروا على أن يصعدوا فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله . ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال : ( فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا   ) وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه ، ولا على شيء منه . 
فأما الحديث الذي رواه  الإمام أحمد   : 
حدثنا روح ،  حدثنا  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة ،  حدثنا أبو رافع  ، عن  أبي هريرة  ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :  " إن يأجوج ومأجوج  ليحفرون السد كل يوم ، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا فيعودون إليه كأشد ما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس [ حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ] قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله . ويستثني ، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس ، فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم إلى السماء ، [ فترجع وعليها هيئة الدم ، فيقولون : قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء ] . فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم ، فيقتلهم بها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، إن دواب الأرض لتسمن ، وتشكر شكرا من لحومهم ودمائهم "  . 
ورواه أحمد  أيضا عن  حسن - هو ابن موسى الأشيب   - عن سفيان ،  عن قتادة ،  به . وكذا رواه ابن ماجه  ، عن أزهر بن مروان  ، عن عبد الأعلى  ، عن  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  قال : حدث رافع   . وأخرجه الترمذي ،  من حديث أبي عوانة  ، عن قتادة   . ثم قال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .  [ ص: 198 ] 
وهذا إسناده قوي ، ولكن في رفعه نكارة ؛ لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه ، لإحكام بنائه وصلابته وشدته . ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار   : أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون : غدا نفتحه . فيأتون من الغد وقد عاد كما كان ، فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل ، فيقولون كذلك ، ويصبحون وهو كما كان ، فيلحسونه ويقولون : غدا نفتحه . ويلهمون أن يقولوا : " إن شاء الله " ، فيصبحون وهو كما فارقوه ، فيفتحونه . وهذا متجه ، ولعل  أبا هريرة  تلقاه من كعب   . فإنه كثيرا ما كان يجالسه ويحدثه ، فحدث به  أبو هريرة  ، فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع ، فرفعه ، والله أعلم . 
ويؤكد ما قلناه - من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه ، ومن نكارة هذا المرفوع - قول  الإمام أحمد   : 
حدثنا سفيان ،  عن الزهري ،  عن عروة ،  عن [  زينب بنت أبي سلمة  ، عن  حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان  ، عن أمها أم حبيبة  ، عن ] زينب بنت جحش  زوج النبي صلى الله عليه وسلم - قال سفيان  أربع نسوة - قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه . وهو محمر وجهه ، وهو يقول : " لا إله إلا الله! ويل للعرب من شر قد اقترب ! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج  مثل هذا " . وحلق . قلت : يا رسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : " نعم إذا كثر الخبث "  . 
هذا حديث صحيح ، اتفق  البخاري  ومسلم  على إخراجه ، من حديث الزهري  ، ولكن سقط في رواية  البخاري  ذكر حبيبة ،  وأثبتها مسلم   . وفيه أشياء عزيزة نادرة قليلة الوقوع في صناعة الإسناد ، منها رواية الزهري  عن عروة ،  وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده ، كلهن يروي بعضهن عن بعض . ثم كل منهن صحابية ، ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان ، رضي الله عنهن . 
وقد روي نحو هذا عن  أبي هريرة  أيضا ، فقال البزار   : حدثنا محمد بن مرزوق ،  حدثنا  مؤمل بن إسماعيل  ، حدثنا وهيب  ، عن ابن طاوس  ، عن أبيه ، عن  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  " فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج  مثل هذا " وعقد التسعين . وأخرجه  البخاري  ومسلم  من حديث وهيب  ، به . 
 [ ص: 199 ] وقوله : ( قال هذا رحمة من ربي   ) أي : لما بناه ذو القرنين ( قال هذا رحمة من ربي   ) أي : بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج  حائلا يمنعهم من العيث في الأرض والفساد . ( فإذا جاء وعد ربي   ) أي : إذا اقترب الوعد الحق ( جعله دكاء   ) أي : ساواه بالأرض . تقول العرب : ناقة دكاء : إذا كان ظهرها مستويا لا سنام لها . وقال تعالى : ( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا   ) [ الأعراف : 143 ] أي : مساويا للأرض . 
وقال عكرمة  في قوله : ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء   ) قال : طريقا كما كان . 
( وكان وعد ربي حقا   ) أي : كائنا لا محالة . 
وقوله : ( وتركنا بعضهم [ يومئذ يموج في بعض ]   ) أي الناس يومئذ أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم ، وهكذا قال  السدي  في قوله : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض   ) قال : ذاك حين يخرجون على الناس . وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال ،  كما سيأتي بيانه [ إن شاء الله تعالى ] عند قوله : ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون  واقترب الوعد الحق   ) [ الأنبياء : 96 ، 97 ] وهكذا قال هاهنا : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا   ) قال ابن زيد  في قوله : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض   ) قال : هذا أول يوم القيامة ، ( ونفخ في الصور   ) على أثر ذلك ( فجمعناهم جمعا   ) . 
وقال آخرون : بل المراد بقوله : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض   ) أي : يوم القيامة يختلط الإنس والجن . 
وروى ابن جرير  ، عن محمد بن حميد  ، عن يعقوب القمي  عن هارون بن عنترة  ، عن شيخ من بني فزارة  في قوله : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض   ) قال : إذا ماج الإنس والجن قال إبليس : أنا أعلم لكم علم هذا الأمر . فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض ، ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة بطنوا الأرض فيقول : " ما من محيص " . ثم يظعن يمينا وشمالا إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة بطنوا الأرض فيقول : " ما من محيص " فبينما هو كذلك ، إذ عرض له طريق كالشراك ، فأخذ عليه هو وذريته ، فبينما هم عليه إذ هجموا على النار ، فأخرج الله خازنا من خزان النار ، فقال : ياإبليس ، ألم تكن لك المنزلة عند ربك ؟ ! ألم تكن في الجنان ؟ ! فيقول : ليس هذا يوم عتاب ، لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من  [ ص: 200 ] خلقه . فيقول : فإن الله قد فرض عليك فريضة . فيقول : ما هي ؟ فيقول : يأمرك أن تدخل النار . فيتلكأ عليه ، فيقول به وبذريته بجناحيه فيقذفهم في النار . فتزفر النار زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه 
وهكذا رواه ابن أبي حاتم  من حديث يعقوب القمي  به . رواه من وجه آخر عن يعقوب ،  عن هارون  عن عنترة  ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض   ) قال : الجن والإنس ، يموج بعضهم في بعض . 
وقال  الطبراني   : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني  ، حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات  ، حدثنا  أبو داود الطيالسي  ، حدثنا المغيرة بن مسلم  ، عن أبي إسحاق  ، عن وهب بن جابر  ، عن عبد الله بن عمرو  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم ، ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا ، وإن من ورائهم ثلاث أمم : تاويل ، وتايس ومنسك "  . هذا حديث غريب بل منكر ضعيف . 
وروى  النسائي  من حديث شعبة  عن النعمان بن سالم  ، عن عمرو بن أوس  ، عن أبيه ، عن جده أوس بن أبي أوس  مرفوعا :  " إن يأجوج ومأجوج لهم نساء ، يجامعون ما شاءوا ، وشجر يلقحون ما شاءوا ، ولا يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا " 
وقوله : ( ونفخ في الصور ) : والصور كما جاء في الحديث :  " قرن ينفخ " فيه والذي ينفخ فيه إسرافيل ،  عليه السلام ، كما قد تقدم في الحديث بطوله ، والأحاديث فيه كثيرة . 
وفي الحديث عن عطية ،  عن ابن عباس  وأبي سعيد  مرفوعا :  " كيف أنعم ، وصاحب القرن قد التقم القرن ، وحنى جبهته واستمع متى يؤمر " . قالوا : كيف نقول ؟ قال : " قولوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، على الله توكلنا " 
وقوله ) فجمعناهم جمعا ) أي : أحضرنا الجميع للحساب ( قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم   ) [ الواقعة : 49 ، 50 ] ، ( وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا   ) [ الكهف : 47 ] 
				
						
						
