( وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون    ( 52 ) فأرسل فرعون في المدائن حاشرين   ( 53 ) إن هؤلاء لشرذمة قليلون   ( 54 ) وإنهم لنا لغائظون   ( 55 ) وإنا لجميع حاذرون   ( 56 ) فأخرجناهم من جنات وعيون   ( 57 ) وكنوز ومقام كريم   ( 58 ) كذلك وأورثناها بني إسرائيل   ( 59 ) ) . 
 [ ص: 142 ] 
لما طال مقام موسى  ، عليه السلام ، ببلاد مصر  ، وأقام بها حجج الله وبراهينه على فرعون  وملئه ، وهم مع ذلك يكابرون ويعاندون ، لم يبق لهم إلا العذاب والنكال ، فأمر الله موسى  ، عليه السلام ، أن يخرج ببني إسرائيل  ليلا من مصر  ، وأن يمضي بهم حيث يؤمر ، ففعل موسى  ، عليه السلام ، ما أمره به ربه عز وجل . خرج بهم بعدما استعاروا من قوم فرعون  حليا كثيرا ، وكان خروجه بهم ، فيما ذكر غير واحد من المفسرين ، وقت طلوع القمر . وذكر مجاهد  ، رحمه الله ، أنه كسف القمر تلك الليلة ، فالله أعلم ، وأن موسى  ، عليه السلام ، سأل عن قبر يوسف  ، عليه السلام ، فدلته امرأة عجوز من بني إسرائيل  عليه ، فاحتمل تابوته معهم ، ويقال : إنه هو الذي حمله بنفسه ، عليهما السلام ، وكان يوسف  قد أوصى بذلك إذا خرج بنو إسرائيل  أن يحملوه معهم ، وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم  ، رحمه الله ، فقال : 
حدثنا علي بن الحسين  ، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح  ، حدثنا ابن فضيل  عن عبد الله بن أبي إسحاق  ، عن ابن أبي بردة  ، عن أبيه ، عن أبي موسى  قال : نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعاهدنا . فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حاجتك؟ " قال ناقة برحلها وأعنز يحتلبها أهلي ، فقال : " أعجزت أن تكون مثل عجوز بني إسرائيل  ؟ " فقال له أصحابه : وما عجوز بني إسرائيل  يا رسول الله؟ قال : " إن موسى  لما أراد أن يسير ببني إسرائيل  أضل الطريق ، فقال لبني إسرائيل   : ما هذا؟ فقال له علماء بني إسرائيل   : نحن نحدثك أن يوسف  عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله ألا نخرج من مصر  حتى ننقل تابوته معنا ، فقال لهم موسى   : فأيكم يدري أين قبر يوسف  ؟ قالوا : ما يعلمه إلا عجوز لبني إسرائيل   . فأرسل إليها فقال لها : دليني على قبر يوسف   . فقالت : والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي . قال لها : وما حكمك؟ قالت : حكمي أن أكون معك في الجنة . فكأنه ثقل عليه ذلك ، فقيل له : أعطها حكمها . قال : فانطلقت معهم إلى بحيرة - مستنقع ماء - فقالت لهم : أنضبوا هذا الماء . فلما أنضبوه قالت : احتفروا ، فلما احتفروا استخرجوا قبر يوسف ، فلما احتملوه إذا الطريق مثل ضوء النهار "  . 
 [ ص: 143 ] 
هذا حديث غريب جدا ، والأقرب أنه موقوف ، والله أعلم . 
فلما أصبحوا وليس في ناديهم داع ولا مجيب ، غاظ ذلك فرعون  واشتد غضبه على بني إسرائيل   ; لما يريد الله به من الدمار ، فأرسل سريعا في بلاده حاشرين ، أي : من يحشر الجند ويجمعه ، كالنقباء والحجاب ، ونادى فيهم : ( إن هؤلاء   ) - يعني : بني إسرائيل   - ( لشرذمة قليلون   ) أي : لطائفة قليلة . 
( وإنهم لنا لغائظون   ) أي : كل وقت يصل لنا منهم ما يغيظنا . 
( وإنا لجميع حاذرون   ) أي : نحن كل وقت نحذر من غائلتهم ، وإني أريد أن أستأصل شأفتهم ، وأبيد خضراءهم . فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم . 
قال الله تعالى : ( فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم   ) أي : فخرجوا من هذا النعيم إلى الجحيم ، وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار والأموال والأرزاق والملك والجاه الوافر في الدنيا . 
( كذلك وأورثناها بني إسرائيل   ) ، كما قال تعالى : ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون   ) [ الأعراف : 137 ] ، وقال تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين  ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون   ) [ القصص : 5 ، 6 ] . 
				
						
						
