( قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين    ( 136 ) إن هذا إلا خلق الأولين   ( 137 ) وما نحن بمعذبين   ( 138 ) فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين   ( 139 ) وإن ربك لهو العزيز الرحيم   ( 140 ) ) 
يقول تعالى مخبرا عن جواب قوم هود  له ، بعدما حذرهم وأنذرهم ، ورغبهم ورهبهم ، وبين لهم الحق ووضحه : ( قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين   ) أي : لا نرجع عما نحن فيه ، ( وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين   ) [ هود : 53 ] وهكذا الأمر ; فإن الله تعالى قال : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون   ) [ البقرة : 6 ] وقال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم   ) [ يونس : 96 ، 97 ] . 
وقولهم : ( إن هذا إلا خلق الأولين   ) : قرأ بعضهم : " إن هذا إلا خلق " بفتح الخاء وتسكين  [ ص: 154 ] اللام . 
قال ابن مسعود  ، والعوفي  عن  عبد الله بن عباس  ، وعلقمة  ، ومجاهد   : يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلا أخلاق الأولين . كما قال المشركون من قريش   : ( وقالوا أساطير الأولين [ اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا   ) [ الفرقان : 5 ] ، وقال : ( وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين   ) [ الفرقان : 4 ، 5 ] ، وقال ( وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين   ) ] [ النحل : 24 ] . 
وقرأ آخرون : ( إن هذا إلا خلق الأولين   ) - بضم الخاء واللام - يعنون : دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأوائل من الآباء والأجداد . ونحن تابعون لهم ، سالكون وراءهم ، نعيش كما عاشوا ، ونموت كما ماتوا ، ولا بعث ولا معاد ; ولهذا قالوا : ( وما نحن بمعذبين   ) . 
قال علي بن أبي طلحة  عن ابن عباس   : ( إن هذا إلا خلق الأولين   ) يقول : دين الأولين . وقاله عكرمة  ،  وعطاء الخراساني  ، وقتادة  ،  وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،  واختاره ابن جرير   . 
قال الله تعالى : ( فكذبوه فأهلكناهم   ) أي : فاستمروا على تكذيب نبي الله هود  ومخالفته وعناده ، فأهلكهم الله ، وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية ، أي : ريحا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا ، فكان إهلاكهم من جنسهم ، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ، كما قال : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم   ) [ ذات العماد ] ) [ الفجر : 6 ، 7 ] وهم عاد  الأولى ، كما قال : ( وأنه أهلك عادا الأولى   ) [ النجم : 50 ] ، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح    . ( ذات العماد   ) أي : الذين كانوا يسكنون العمد . ومن زعم أن  " إرم "  مدينة ، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب  ووهب ،  وليس لذلك أصل أصيل . ولهذا قال : ( التي لم يخلق مثلها في البلاد   ) [ الفجر : 8 ] ، أي : لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال : التي لم يبن مثلها في البلاد ، وقال : ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون   ) [ فصلت : 15 ] . 
وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا بمقدار أنف الثور ، عتت على الخزنة ، فأذن الله لها في ذلك ، وسلكت وحصبت بلادهم ، فحصبت كل شيء لهم ، كما قال تعالى : ( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم   ) الآية [ الأحقاف : 25 ] ، وقال تعالى : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما   ) [ الحاقة : 6 ، 7 ] ، أي : كاملة ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية   ) [ الحاقة : 7 ] ، أي : بقوا أبدانا بلا رؤوس ;  [ ص: 155 ] وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه ، وتكسر رأسه ، وتلقيه ، كأنهم أعجاز نخل منقعر . وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات ، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم ، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا ، ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر   ) [ نوح : 4 ] ; ولهذا قال : ( فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين . وإن ربك لهو العزيز الرحيم   ) . 
				
						
						
