فصل :
فلما توفاها الله تزوج بعدها سودة بنت زمعة ، رضي الله عنها ، وهي وكبرت عنده ، وأراد طلاقها فوهبت يومها سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن جبل بن عامر بن لؤي ، فأمسكها وهذا من خواصها : أنها آثرت بيومها حب النبي صلى الله عليه وسلم تقربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحبا له ، وإيثارا لمقامها معه ، فكان يقسم لعائشة ، يومها ويوم لعائشة سودة ، ويقسم لنسائه ، ولا يقسم لها وهي راضية بذلك مؤثرة ، لترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتزوج الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر ، رضي الله عنهما ، وهي بنت ست سنين قبل الهجرة بسنتين ، وقيل : بثلاث ، وبنى بها بالمدينة أول مقدمه في السنة الأولى ، وهي بنت تسع ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة ، وتوفيت بالمدينة ، ودفنت بالبقيع ، وأوصت أن يصلي عليها سنة ثمان وخمسين ، ومن خصائصها : أنها كانت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ، كما ثبت ذلك عنه في أبو هريرة وغيره ، أنه البخاري " عائشة " قيل : فمن الرجال ؟ قال : " أبوها " سئل أي الناس أحب إليك ؟ قال :
ومن خصائصها أيضا : أنه لم يتزوج بكرا غيرها ، ومن خصائصها : أنه كان ينزل عليه الوحي وهو [ ص: 405 ] في لحافها دون غيرها
ومن خصائصها : أن الله ، عز وجل ، لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها ، فقال : فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستن بها بقية أزواجه صلى الله عليه وسلم ، وقلن كما قالت . " ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك "
ومن خصائصها : أن ، وأنزل في عذرها وبراءتها وحيا يتلى في محاريب المسلمين ، وصلواتهم إلى يوم القيامة ، وشهد لها أنها من الطيبات ، ووعدها المغفرة والرزق الكريم ، وأخبر سبحانه ، أن ما قيل فيها من الإفك كان خيرا لها ، ولم يكن بذلك الذي قيل فيها شر لها ، ولا عيب لها ، ولا خافض من شأنها ، بل رفعها الله بذلك ، وأعلى قدرها وعظم شأنها ، وأصار لها ذكرا بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء ، فيا لها من منقبة ما أجلها وتأمل هذا التشريف والإكرام الناشئ عن فرط تواضعها واستصغارها لنفسها ، حيث قالت : ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بوحي يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا يبرئني الله بها ، فهذه صديقة الأمة ، وأم المؤمنين ، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي تعلم أنها بريئة مظلومة ، وأن قاذفيها ظالمون مفترون عليها ، قد بلغ أذاهم إلى أبويها ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا كان احتقارها لنفسها وتصغيرها لشأنها ، فما ظنك بمن قد صام يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، قد قام ليلة أو ليلتين ، فظهر عليه شيء من الأحوال ، ولاحظوا أنفسهم بعين استحقاق الكرامات ، وأنهم ممن يتبرك بلقائهم ، ويغتنم بصالح دعائهم ، وأنهم يجب على الناس احترامهم وتعظيمهم وتعزيزهم وتوقيرهم ، فيتمسح بأثوابهم ، ويقبل ثرى أعتابهم ، وأنهم من الله بالمكانة التي تنتقم لهم لأجلها من تنقصهم في الحال ، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال ، وإن إساءة الأدب عليهم ذنب لا يكفره شيء إلا رضاهم الله سبحانه برأها مما رماها به أهل الإفك
ولو كان هذا من وراء كفاية لهان ، ولكن من وراء تخلف ، وهذه الحماقات والرعونات نتاج الجهل الصميم ، والعقل غير المستقيم ، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه ، غافل عن جرمه وعيوبه وذنوبه ، مغتر بإمهال الله له عن أخذه بما هو فيه من الكبر والازدراء على من لعله عند الله خير منه ، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة ، وينبغي للعبد أن يستعيذ بالله أن يكون عند نفسه عظيما ، وهو عند الله حقير ، ومن خصائص عائشة ، رضي الله عنها : أن الأكابر من الصحابة ، رضي الله عنهم ، كان إذا أشكل الأمر عليهم من الدين استفتوها فيجدون علمه عندها
ومن خصائصها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها ومن خصائصها : أن الملك أرى صورتها للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها في خرقة حرير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ومن خصائصها : " إن يكن هذا من عند الله يمضه " تقربا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فيتحفونه بما يحب في منزل أحب نسائه إليه ، رضي الله عنهم أجمعين ، وتكنى أن الناس كانوا يتحرون هداياهم يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله ، وروي أنها أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم سقطا ، ولا يثبت ذلك
[ ص: 406 ] وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قبله عند حفصة بنت عمر بن الخطاب حبيش بن حذافة ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا ، توفيت سنة سبع ، وقيل : ثمان وعشرين ، ومن خواصها : ما ذكره الحافظ أبو محمد المقدسي في مختصره في السيرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلقها ، فأتاه جبريل فقال : حفصة ، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة إن الله يأمرك أن تراجع
وقال في المعجم الكبير : حدثنا الطبراني أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى ، حدثنا جدي حرملة ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن صالح الحضرمي ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن أبيه ، عن عقبة بن عامر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ، فبلغ ذلك ، فوضع التراب على رأسه ، وقال : ما يعبأ الله عمر بن الخطاب بابن الخطاب بعد هذا فنزل جبريل ، عليه السلام ، على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها رملة بنت صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة ، فتنصر بالحبشة ، وأتم الله لها الإسلام ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بأرض الحبشة ، وأصدقها عند النجاشي أربعمائة دينار ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بها إلى أرض عمرو بن أمية الضمري الحبشة ، وولى نكاحها ، وقيل : عثمان بن عفان ، وهي التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه أبوها لما قدم خالد بن سعيد بن العاص أبو سفيان المدينة ، وقالت له : إنك مشرك ، ومنعته الجلوس عليه
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وكانت قبله عند ، توفيت سنة اثنتين وستين ، ودفنت أبي سلمة بن عبد الأسد بالبقيع ، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا ، وقيل : بل ميمونة ، ومن خصائصها : أن جبريل دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي عنده فرأته في صورة ففي صحيح دحية الكلبي مسلم عن أبي عثمان قال : أنبئت أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده أم سلمة ، فقال : فجعل يتحدث ، ثم قام فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " من هذا ؟ " أو كما قال قالت : هذا لأم سلمة قالت : وايم الله ، ما حسبته إلا إياه ، حتى سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، يخبر أنه دحية الكلبي جبريل ، أو كما قال ، قال سليمان التيمي : فقلت لأبي عثمان : ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال : من أسامة بن زيد وزوجها ابنها - عمر - من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردت طائفة ذلك بأن ابنها لم يكن له من السن حينئذ ما يعقد التزويج ، ورد ذلك ، وأنكر على من قاله ، ويدل على صحة قول الإمام أحمد أحمد ما رواه مسلم في صحيحه عمر بن أبي سلمة - ابنها - سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم ؟ فقال : " سل هذه " يعني : أم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ، فقال : لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحل الله لرسوله ما شاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أتقاكم لله وأعلمكم به " أو كما قال ومثل هذا لا يقال لصغير جدا ، أن وعمر ولد بأرض الحبشة قبل الهجرة وقال : وقول من زعم أنه كان صغيرا ، [ ص: 407 ] دعوى ولم يثبت صغره بإسناد صحيح البيهقي
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي بنت عمته زينب بنت جحش من بني خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وكانت قبل عند مولاه أميمة بنت عبد المطلب ، فطلقها فزوجه الله إياها من فوق سبع سماوات ، وأنزل عليه : ( زيد بن حارثة فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) فقام فدخل عليها بلا استئذان ، وكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وتقول : زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماواته ، وهذا من خصائصها توفيت بالمدينة سنة عشرين ، ودفنت بالبقيع
وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية ، وكانت تحت عبد الله بن جحش ، تزوجها سنة ثلاث من الهجرة ، وكانت تسمى أم المساكين ، ولم تلبث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا يسيرا ، شهرين أو ثلاثة ، وتوفيت ، رضي الله عنها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت سبيت في غزوة جويرية بنت الحارث من بني المصطلق بني المصطلق ، فوقعت في سهم ، فكاتبها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابتها ، وتزوجها سنة ست من الهجرة ، وتوفيت سنة ست وخمسين ، وهي التي أعتق المسلمون بسببها مائة أهل بيت من الرقيق ، وقالوا : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذلك من بركتها على قومها ثابت بن قيس
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من ولد صفية بنت حيي هارون بن عمران أخي موسى ، سنة سبع ، فإنها سبيت من خيبر ، وكانت قبله تحت كنانة بن أبي الحقيق ، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، توفيت سنة ست وثلاثين ، وقيل : سنة خمسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها قال ومن خصائصها أنس : أمهرها نفسها ، وصار ذلك سنة للأمة إلى يوم القيامة ، ، وتصير زوجته على منصوص ويجوز للرجل أن يجعل عتق جاريته صداقها ، رحمه الله قال الإمام أحمد الترمذي : حدثنا إسحاق بن منصور ، ، قالا حدثنا وعبد بن حميد عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس قال : صفية أن حفصة قالت : صفية بنت يهودي ، فبكت ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال : " ما يبكيك ؟ " قالت : قالت لي حفصة : إني ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك لابنة نبي وإن عمك لنبي ، وإنك لتحت نبي ، فبما تفخر عليك ؟ " ثم قال : " اتق الله يا حفصة " قال بلغ الترمذي : هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه وهذا من خصائصها ، رضي الله عنها
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تزوجها بسرف وهو على تسعة أميال من ميمونة بنت الحارث الهلالية مكة ، وهي ، توفيت سنة ثلاث وستين ، وهي خالة آخر من تزوج من أمهات المؤمنين خالد بن الوليد ، وخالة ابن عباس ، فإن أمه وهي التي أم الفضل بنت الحارث هل نكحها حلالا أو محرما ؟ والصحيح إنما تزوجها حلالا كما قال اختلف في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم لها أبو رافع الشفير في نكاحها
قال الحافظ أبو محمد المقدسي وغيره : ، فالصلاة على أزواجه تابعة لاحترامهن وتحريمهن على الأمة ، وأنهن نساؤه صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فمن فارقها في حياتها ولم يدخل ، لا يثبت لها أحكام زوجاته اللاتي دخل بهن صلى الله عليه وعلى أزواجه وآله وذريته وسلم تسليما ] وعقد على سبع ولم يدخل بهن