[ ص: 417 ] قال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عثمان بن حكيم ، حدثنا عبد الرحمن بن شيبة ، أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال ؟ قالت : فلم يرعني منه ذات يوم إلا ونداؤه على المنبر ، قالت ، وأنا أسرح شعري ، فلففت شعري ، ثم خرجت إلى حجرة من حجر بيتي ، فجعلت سمعي عند الجريد ، فإذا هو يقول عند المنبر : " يا أيها الناس ، إن الله يقول : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات " إلى آخر الآية سمعت
وهكذا رواه النسائي ، من حديث وابن جرير عبد الواحد بن زياد ، به مثله
طريق أخرى عنها : قال أيضا : حدثنا النسائي محمد بن حاتم ، حدثنا سويد ، أخبرنا عبد الله بن شريك ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، أم سلمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا نبي الله ، ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن ، والنساء لا يذكرن ؟ فأنزل الله ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات )
وقد رواه عن ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن أبي معاوية ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة : أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، حدثه أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أيذكر الرجال في كل شيء ولا نذكر ؟ فأنزل الله : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية عن
طريق أخرى : قال ، عن سفيان الثوري ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أم سلمة : يا رسول الله ، يذكر الرجال ولا نذكر ؟ فأنزل الله : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية قالت
حديث آخر : قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا سيار بن مظاهر العنزي حدثنا أبو كدينة يحيى بن المهلب ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن المسلمين والمسلمات ) الآية وحدثنا قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : ما له يذكر المؤمنين ولا يذكر المؤمنات ؟ فأنزل الله : ( بشر حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ; عن قتادة قال : دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلن : قد ذكركن الله في القرآن ، ولم نذكر بشيء ، أما فينا ما يذكر ؟ فأنزل الله عز وجل : ( إن المسلمين والمسلمات ) الآية
[ ص: 418 ] فقوله : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) دليل على أن ، وهو أخص منه ، لقوله تعالى : ( الإيمان غير الإسلام قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) [ الحجرات : 14 ] وفي الصحيحين : فيسلبه الإيمان ، ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين ، فدل على أنه أخص منه كما قررناه في أول شرح " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " البخاري
[ وقوله ] : ( والقانتين والقانتات ) القنوت : هو الطاعة في سكون ، ( أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) [ الزمر : 9 ] ، وقال تعالى : ( وله من في السماوات والأرض كل له قانتون ) [ الروم : 26 ] ، ( يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) [ آل عمران : 43 ] ، ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها ، ثم القنوت ناشئ عنهما
( والصادقين والصادقات ) : هذا في الأقوال ، فإن الصدق خصلة محمودة; ولهذا كان بعض الصحابة لم تجرب عليه كذبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، وهو علامة على الإيمان ، كما أن ، ومن صدق نجا ، الكذب أمارة على النفاق والأحاديث فيه كثيرة جدا " عليكم بالصدق; فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة وإياكم والكذب; فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "
( والصابرين والصابرات ) : هذه سجية الأثبات ، وهي الصبر على المصائب ، والعلم بأن المقدور كائن لا محالة ، وتلقي ذلك بالصبر والثبات ، وإنما ، أي : أصعبه في أول وهلة ، ثم ما بعده أسهل منه ، وهو صدق السجية وثباتها الصبر عند الصدمة الأولى
( والخاشعين والخاشعات ) الخشوع : السكون والطمأنينة ، والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته ، [ كما في الحديث ] : " اعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
( والمتصدقين والمتصدقات ) : : هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء ، الذين لا كسب لهم ولا كاسب ، يعطون من فضول الأموال طاعة لله ، وإحسانا إلى خلقه ، وقد ثبت في الصحيحين : الصدقة فذكر منهم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله " وفي الحديث الآخر : " ورجل تصدق بصدقة [ ص: 419 ] فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " " والصدقة تطفئ الخطيئة ، كما يطفئ الماء النار "
[ وفي الترمذي عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء "
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ، ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر أشأم منه ، فلا يرى إلا ما قدم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه فاتقوا النار ولو بشق تمرة "
وفي حديث أبي ذر أنه قال : ; ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد قال في خطبته : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال : " الإيمان بالله " قلت : يا نبي الله ، مع الإيمان عمل ؟ قال : " ترضخ مما خولك الله " ، أو " ترضخ مما رزقك الله " ، وقال " يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن ، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار ، رضي الله عنه : ذكر لي أن الأعمال تتباهى ، فتقول الصدقة : أنا أفضلكم عمر بن الخطاب
وفي الصحيحين عن قال : أبي هريرة : فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا يتسع وقد قال تعالى : ( أبو هريرة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) [ التغابن : 16 ] فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده كما قيل : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل البخيل والمتصدق ، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد ، أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما ، فجعل المتصدق ، كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه ، حتى تغشى أنامله ، وتعفو أثره ، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت ، وأخذت كل حلقة مكانها قال
ويظهر عيب المرء في الناس بخله وتستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه ]
والأحاديث في الحث عليها كثيرة جدا ، له موضع بذاته
( والصائمين والصائمات ) : في الحديث الذي رواه ابن ماجه : " أي : تزكيه وتطهره وتنقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا والصوم زكاة البدن "
قال سعيد بن جبير : من ، دخل في قوله : ( صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر والصائمين والصائمات )
[ ص: 420 ] ولما كان - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة - ناسب أن يذكر بعده : ( " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباء فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " والحافظين فروجهم والحافظات ) أي : عن المحارم والمآثم إلا عن المباح ، كما قال تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) [ المؤمنون : 5 - 7 ]
وقوله : ( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات ) قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبيد الله ، حدثنا محمد بن جابر ، عن علي بن الأقمر ، عن الأغر أبي مسلم ، عن ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي سعيد الخدري " إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل ، فصليا ركعتين ، كتبا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات "
وقد رواه أبو داود ، والنسائي ، ، من حديث وابن ماجه الأعمش ، [ عن علي بن الأقمر ] ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله وأبي هريرة
وقال : حدثنا الإمام أحمد حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، ، رضي الله عنه ، أنه قال : قلت : يا رسول الله ، أبي سعيد الخدري ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا والذاكرات " أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة
قال : قلت : يا رسول الله ، ومن الغازي في سبيل الله ؟ قال : " لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه " عن
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن ، رضي الله عنه ، قال : أبي هريرة مكة ، فأتى على جمدان فقال : " هذا جمدان ، سيروا فقد سبق المفردون " قالوا : وما المفردون ؟ قال : " الذاكرون الله كثيرا " ثم قال : " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا : والمقصرين ؟ قال : " اللهم ، اغفر للمحلقين " قالوا : والمقصرين ؟ قال : " والمقصرين " كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في طريق
تفرد به من هذا الوجه ، ورواه مسلم دون آخره
[ ص: 421 ] وقال : حدثنا الإمام أحمد حجين بن المثنى ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن زياد بن أبي زياد - مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة - أنه بلغه عن معاذ بن جبل ، رضي الله عنه ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقال " ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله " معاذ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة ، ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم " ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : " ذكر الله عز وجل "
وقال : حدثنا الإمام أحمد حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، أبو بكر لعمر ، رضي الله عنهما : ذهب الذاكرون بكل خير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجل " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رجلا سأله فقال : أي المجاهدين أعظم أجرا يا رسول الله ؟ فقال : " أكثرهم لله ذكرا " قال : فأي الصائمين أكثر أجرا ؟ قال : " أكثرهم لله ذكرا " ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة ، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثرهم لله ذكرا " فقال
وسنذكر بقية الأحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا ) الآية [ الأحزاب : 41 ، 42 ] ، إن شاء الله تعالى
وقوله : ( أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ) أي : هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرا عظيما وهو الجنة