( مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك ( 50 ) ) .
يقول تعالى مخاطبا نبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، بأنه قد أحل له من النساء أزواجه اللاتي أعطاهن مهورهن ، وهي الأجور هاهنا . كما قاله مجاهد وغير واحد ، وقد كان مهره لنسائه اثنتي عشرة أوقية ونشا وهو نصف أوقية ، فالجميع خمسمائة درهم ، إلا أم حبيبة بنت أبي سفيان فإنه أمهرها عنه النجاشي ، - رحمه الله - أربعمائة دينار ، وإلا فإنه اصطفاها من سبي صفية بنت حيي خيبر ، ثم أعتقها وجعل عتقها صداقها . وكذلك ، أدى عنها كتابتها إلى جويرية بنت الحارث المصطلقية وتزوجها ، رضي الله عن جميعهن . ثابت بن قيس بن شماس
[ ص: 442 ] وقوله : ( وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك ) أي : وأباح لك التسري مما أخذت من المغانم ، وقد ملك صفية فأعتقهما وتزوجهما . وملك وجويرية ريحانة بنت شمعون النضرية ، ومارية القبطية أم ابنه إبراهيم ، عليه السلام ، وكانتا من السراري ، رضي الله عنهما .
وقوله : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك ) : هذا عدل وسط بين الإفراط والتفريط; فإن النصارى لا يتزوجون المرأة إلا إذا كان الرجل بينه وبينها سبعة أجداد فصاعدا ، واليهود يتزوج أحدهم بنت أخيه وبنت أخته ، فجاءت هذه الشريعة الكاملة الطاهرة بهدم إفراط النصارى ، فأباح بنت العم والعمة ، وبنت الخال والخالة ، وتحريم ما فرطت فيه اليهود من إباحة بنت الأخ والأخت ، وهذا بشع فظيع .
وإنما قال : ( وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك ) فوحد لفظ الذكر لشرفه ، وجمع الإناث لنقصهن كقوله : ( عن اليمين والشمائل ) [ النحل : 48 ] ، ( يخرجهم من الظلمات إلى النور ) [ البقرة : 257 ] ، ( وجعل الظلمات والنور ) [ الأنعام : 1 ] ، وله نظائر كثيرة .
وقوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قال ابن أبي حاتم ، رحمه الله :
حدثنا محمد بن عمار بن الحارث الرازي ، حدثنا ، حدثنا عبيد الله بن موسى إسرائيل ، عن عن السدي ، أبي صالح ، عن أم هانئ قالت : خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه بعذري ، ثم أنزل الله : ( إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك ) إلى قوله : ( اللاتي هاجرن معك ) قالت : فلم أكن أحل له ، ولم أكن ممن هاجر معه ، كنت من الطلقاء . ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن ، به . عبيد الله بن موسى
ثم رواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، عنها بنحوه .
ورواه الترمذي في جامعه . وهكذا قال أبو رزين وقتادة : إن المراد : من هاجر معه إلى المدينة . وفي رواية عن قتادة : ( اللاتي هاجرن معك ) أي : أسلمن . وقال الضحاك : قرأ ابن مسعود : " واللاتي هاجرن معك " .
وقوله : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : ويحل لك - يأيها النبي - المرأة المؤمنة إذا وهبت نفسها لك أن تتزوجها بغير مهر إن شئت ذلك . وهذه الآية توالى فيها شرطان ، كقوله تعالى إخبارا عن نوح ، عليه السلام ، أنه قال لقومه : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ) [ هود : 34 ] ، وكقول موسى : ( يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ) [ يونس : 84 ] . [ ص: 443 ] وقال هاهنا : ( إن أراد النبي أن يستنكحها وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) وقد قال : الإمام أحمد
حدثنا إسحاق ، أخبرنا مالك ، عن أبي حازم ، عن ; أن سهل بن سعد الساعدي . رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك . فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل عندك من شيء تصدقها إياه " ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : لا أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال : نعم; سورة كذا ، وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " زوجتكها بما معك من القرآن "
أخرجاه من حديث مالك .
وقال : حدثنا الإمام أحمد عفان ، حدثنا مرحوم ، سمعت ثابتا يقول : كنت مع أنس جالسا وعنده ابنة له ، فقال أنس : . جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، هل لك في حاجة ؟ فقالت ابنته : ما كان أقل حياءها . فقال : " هي خير منك ، رغبت في النبي ، فعرضت عليه نفسها "
انفرد بإخراجه من حديث البخاري ، مرحوم بن عبد العزيز [ العطار ] ، عن ثابت البناني ، عن أنس ، به .
وقال أحمد أيضا : حدثنا عبد الله بن بكر ، حدثنا سنان بن ربيعة ، عن الحضرمي ، عن أنس بن مالك : أن . لم يخرجوه . امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ابنة لي كذا وكذا . فذكرت من حسنها وجمالها ، فآثرتك بها . فقال : " قد قبلتها " . فلم تزل تمدحها حتى ذكرت أنها لم تصدع ولم تشتك شيئا قط ، فقال : " لا حاجة لي في ابنتك "
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا ابن أبي الوضاح - يعني : محمد بن مسلم - عن ، عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة قالت : التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم . خولة بنت حكيم
وقال ابن وهب ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن وابن أبي الزناد ، عن أبيه : أن هشام بن عروة خولة بنت حكيم بن الأوقص ، من بني سليم ، كانت من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية له عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن هشام ، عن أبيه : كنا نتحدث أن [ ص: 444 ] كانت وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت امرأة صالحة . خولة بنت حكيم
فيحتمل أن أم سليم هي ، أو هي امرأة أخرى . خولة بنت حكيم
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا حدثنا وكيع ، موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب ، وعمر بن الحكم ، وعبد الله بن عبيدة قالوا : تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة امرأة : ست من قريش ، خديجة ، وعائشة ، وحفصة ، ، وأم حبيبة وسودة ، . وثلاث من وأم سلمة بني عامر بن صعصعة ، وامرأتان من بني هلال بن عامر : ، وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، ميمونة بنت الحارث - امرأة من وزينب أم المساكين بني أبي بكر بن كلاب من القرطاء - وهي التي اختارت الدنيا ، وامرأة من بني الجون ، وهي التي استعاذت منه ، ، والسبيتان وزينب بنت جحش الأسدية ، صفية بنت حيي بن أخطب . وجويرية بنت الحارث بن عمرو بن المصطلق الخزاعية
وقال ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة ، عن ابن عباس : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) قال : هي . ميمونة بنت الحارث
فيه انقطاع : هذا مرسل ، والمشهور أن زينب التي كانت تدعى أم المساكين هي زينب بنت خزيمة الأنصارية ، وقد ماتت عند النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، فالله أعلم .
والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم كثير ، كما قال حدثنا البخاري ، زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عن أبيه ، عن هشام بن عروة عائشة قالت : كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي صلى الله عليه وسلم وأقول : أتهب امرأة نفسها ؟ فلما أنزل الله : ( ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ) قلت : ما أرى ربك إلا يسارع في هواك .
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن منصور الجعفي ، حدثنا ، عن يونس بن بكير عنبسة بن الأزهر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له .
ورواه ابن جرير عن أبي كريب ، عن . أي : إنه لم يقبل واحدة ممن وهبت نفسها له ، وإن كان ذلك مباحا له ومخصوصا به; لأنه مردود إلى مشيئته ، كما قال الله تعالى : ( يونس بن بكير إن أراد النبي أن يستنكحها ) أي : إن اختار ذلك .
[ ص: 445 ] وقوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) قال عكرمة : أي : لا تحل الموهوبة لغيرك ، ولو أن لم تحل له حتى يعطيها شيئا . وكذا قال امرأة وهبت نفسها لرجل مجاهد وغيرهما . والشعبي
أي : إنها إذا فوضت المرأة نفسها إلى رجل ، فإنه متى دخل بها وجب لها عليه بها مهر مثلها ، كما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بروع بنت واشق لما فوضت ، فحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بصداق مثلها لما توفي عنها زوجها ، والموت والدخول سواء في تقرير المهر وثبوت مهر المثل في المفوضة لغير النبي صلى الله عليه وسلم فأما هو ، عليه السلام ، فإنه لا يجب عليه للمفوضة شيء ولو دخل بها; لأن له أن يتزوج بغير صداق ولا ولي ولا شهود ، كما في قصة زينب بنت جحش ، رضي الله عنها . ولهذا قال قتادة في قوله : ( خالصة لك من دون المؤمنين ) ، يقول : ليس لامرأة تهب نفسها لرجل بغير ولي ولا مهر إلا للنبي صلى الله عليه وسلم .
[ وقوله تعالى : ( قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم ) ] قال أبي بن كعب ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة في قوله : ( وابن جرير قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ) أي : من حصرهم في أربع نسوة حرائر وما شاءوا من الإماء ، واشتراط الولي والمهر والشهود عليهم ، وهم الأمة ، وقد رخصنا لك في ذلك ، فلم نوجب عليك شيئا منه; ( لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما ) .