فصل
وأما ، فإن كانت على سبيل التبعية كما تقدم في الحديث : الصلاة على غير الأنبياء محمد وآله وأزواجه وذريته " ، فهذا جائز بالإجماع ، وإنما وقع النزاع فيما إذا أفرد غير الأنبياء بالصلاة عليهم : " اللهم صل على
[ ص: 478 ] فقال قائلون : يجوز ذلك ، واحتجوا بقوله : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ) ، وبقوله ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ) [ البقرة : 157 ] ، وبقوله تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) [ التوبة : 103 ] ، وبحديث عبد الله بن أبي أوفى قال : أبي أوفى " . أخرجاه في الصحيحين . وبحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : " اللهم صل عليهم " . وأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل جابر : . أن امرأته قالت : يا رسول الله ، صل علي وعلى زوجي . فقال : " صلى الله عليك وعلى زوجك "
وقال الجمهور من العلماء : لا يجوز ; لأن هذا قد صار شعارا للأنبياء إذا ذكروا ، فلا يلحق بهم غيرهم ، فلا يقال : " قال إفراد غير الأنبياء بالصلاة أبو بكر صلى الله عليه " . أو : " قال علي صلى الله عليه " . وإن كان المعنى صحيحا ، كما لا يقال : " قال محمد عز وجل " ، وإن كان عزيزا جليلا; لأن هذا من شعار ذكر الله ، عز وجل . وحملوا ما ورد في ذلك من الكتاب والسنة على الدعاء لهم; ولهذا لم يثبت شعارا لآل أبي أوفى ، ولا لجابر وامرأته . وهذا مسلك حسن .
وقال آخرون : لا يجوز ذلك; لأن الصلاة على غير الأنبياء قد صارت من شعار أهل الأهواء ، يصلون على من يعتقدون فيهم ، فلا يقتدى بهم في ذلك ، والله أعلم .
ثم اختلف المانعون من ذلك : هل هو من باب التحريم ، أو الكراهة التنزيهية ، أو خلاف الأولى ؟ على ثلاثة أقوال ، حكاه الشيخ أبو زكريا النووي في كتاب الأذكار . ثم قال : والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه ; لأنه شعار أهل البدع ، وقد نهينا عن شعارهم ، والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود . قال أصحابنا : والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في اللسان بالأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم ، كما أن قولنا : " عز وجل " ، مخصوص بالله سبحانه وتعالى ، فكما لا يقال : " محمد عز وجل " ، وإن كان عزيزا جليلا لا يقال : " أبو بكر - أو : علي - صلى الله عليه " . هذا لفظه بحروفه . قال : وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا : هو في معنى الصلاة ، فلا يستعمل في الغائب ، ولا يفرد به غير الأنبياء ، فلا يقال : " علي عليه السلام " ، وسواء في هذا الأحياء والأموات ، وأما الحاضر فيخاطب به ، فيقال : سلام عليكم ، أو سلام عليك ، أو السلام عليك أو عليكم . وهذا مجمع عليه . انتهى ما ذكره .
قلت : وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب ، أن يفرد علي ، رضي الله عنه ، بأن يقال : " عليه السلام " ، من دون سائر الصحابة ، أو : " كرم الله وجهه " وهذا وإن كان معناه [ ص: 479 ] صحيحا ، لكن ينبغي أن يساوي بين الصحابة في ذلك; فإن هذا من باب التعظيم والتكريم ، فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان [ بن عفان ] أولى بذلك منه ، رضي الله عنهم أجمعين .
قال إسماعيل القاضي : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثني عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه قال : لا تصح الصلاة على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالمغفرة .
وقال أيضا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حسين بن علي ، عن جعفر بن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله : أما بعد ، فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن ناسا من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ، ويدعوا ما سوى ذلك . أثر حسن .
قال إسماعيل القاضي : حدثنا معاذ بن أسد ، حدثنا ، حدثنا عبد الله بن المبارك ابن لهيعة ، حدثني خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نبيه بن وهب ; أن كعبا دخل على عائشة ، رضي الله عنها ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب : ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بالقبر يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ، سبعون ألفا بالليل ، وسبعون ألفا بالنهار ، حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفونه .