( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم  ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما   ( 20 ) وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا   ( 21 ) ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا   ( 22 ) سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا   ( 23 ) وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا   ( 24 ) ) 
 [ ص: 341 ] قال مجاهد  في قوله : ( وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها   ) : هي جميع المغانم إلى اليوم ، ( فعجل لكم هذه   ) يعني : فتح خيبر   . 
وروى العوفي  عن ابن عباس   : ( فعجل لكم هذه   ) يعني : صلح الحديبية   . 
( وكف أيدي الناس عنكم   ) أي : لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال . وكذلك كف أيدي الناس [ عنكم ] الذين خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم ، ( ولتكون آية للمؤمنين   ) أي : يعتبرون بذلك ، فإن الله حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء ، مع قلة عددهم ، وليعلموا بصنيع الله هذا بهم أنه العليم بعواقب الأمور ، وأن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ، كما قال : ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم   ) [ البقرة : 216 ] . 
( ويهديكم صراطا مستقيما   ) أي : بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته ، وموافقتكم رسوله . 
وقوله :  ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا   )  أي : وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ، قد يسرها الله عليكم ، وأحاط بها لكم ، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون . 
وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ، ما المراد بها ؟ فقال العوفي  عن ابن عباس   : هي خيبر   . وهذا على قوله في قوله تعالى : ( فعجل لكم هذه   ) إنها صلح الحديبية   . وقاله الضحاك  ،  وابن إسحاق  ،  وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم . 
 وقال قتادة   : هي مكة   . واختاره ابن جرير   . 
وقال  ابن أبي ليلى  ، والحسن البصري   : هي فارس  والروم   . 
وقال مجاهد   : هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة . 
وقال  أبو داود الطيالسي   : حدثنا شعبة  ، عن سماك الحنفي  ، عن ابن عباس   : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها   ) قال : هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم . 
وقوله :  ( ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا   )  يقول تعالى مبشرا لعباده المؤمنين : بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ، ولانهزم جيش الكفار فارا مدبرا لا يجدون وليا ولا نصيرا ; لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين . 
ثم قال : ( سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا   ) أي : هذه سنة الله وعادته في خلقه ، ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فيصل إلى نصر الله الإيمان على الكفر ، فرفع الحق ووضع الباطل ، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين ، مع قلة عدد المسلمين وعددهم ، وكثرة المشركين وعددهم . 
 [ ص: 342 ] وقوله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا   ) : هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم ، فلم يصل إليهم منهم سوء ، وكف أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام  ، بل صان كلا من الفريقين ، وأوجد بينهم صلحا فيه خيرة للمؤمنين ، وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة . وقد تقدم في حديث  سلمة بن الأكوع  حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى فأوثقوهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهم وقال : " أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه " . قال : وفي ذلك أنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم   ) الآية  . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا  يزيد بن هارون  ، حدثنا حماد  ، عن ثابت  ، عن أنس بن مالك  قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح ، من قبل جبل التنعيم ، يريدون غرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعا عليهم فأخذوا - قال عفان : فعفا عنهم - ونزلت هذه الآية : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم   ) 
ورواه مسلم  وأبو داود  في سننه  ، والترمذي   والنسائي  في التفسير من سننيهما ، من طرق ، عن حماد بن سلمة  ، به . 
وقال أحمد   - أيضا - : حدثنا  زيد بن الحباب  ، حدثنا الحسين بن واقد  ، حدثنا ثابت البناني  ، عن  عبد الله بن مغفل المزني  قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلي بن أبي طالب وسهل بن عمرو بين يديه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي : " اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم " ، فأخذ سهل بيده وقال : ما نعرف الرحمن الرحيم . اكتب في قضيتنا ما نعرف . قال : " اكتب باسمك اللهم " ، وكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة " . فأمسك سهل بن عمرو بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " . فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ الله بأسماعهم ، فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو : هل جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : لا . فخلى سبيلهم ، فأنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا   ) . رواه  النسائي  من حديث  حسين بن واقد  ، به . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن حميد  ، حدثنا يعقوب القمي  ، حدثنا جعفر  ، عن ابن أبزى  قال : لما  [ ص: 343 ] خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ، قال له عمر : يا نبي الله ، تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ؟ قال : فبعث إلى المدينة ، فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله ، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ، فسار حتى أتى منى ، فنزل بمنى ، فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : " يا خالد ، هذا ابن عمك أتاك في الخيل ، فقال خالد : أنا سيف الله ، وسيف رسوله - فيومئذ سمي سيف الله - يا رسول الله ، ارم بي أين شئت . فبعثه على خيل ، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ، فأنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة [ من بعد أن أظفركم عليهم ]   ) إلى : ( عذابا أليما   ) . قال : فكف الله النبي عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل  . 
ورواه ابن أبي حاتم  عن ابن أبزى  بنحوه . وهذا السياق فيه نظر ; فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية ;  لأن خالدا  لم يكن أسلم ; بل قد كان طليعة المشركين يومئذ ، كما ثبت في الصحيح . ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء ، لأنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل فيعتمر ويقيم بمكة  ثلاثة أيام ، فلما قدم لم يمانعوه ، ولا حاربوه ولا قاتلوه . فإن قيل : فيكون يوم الفتح ؟ فالجواب : ولا يجوز أن يكون يوم الفتح ; لأنه لم يسق عام الفتح هديا ، وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عرمرم ، فهذا السياق فيه خلل ، قد وقع فيه شيء فليتأمل ، والله أعلم . 
وقال ابن إسحاق   : حدثني من لا أتهم ، عن عكرمة  مولى ابن عباس   : أن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصيبوا من أصحابه أحدا ، فأخذوا أخذا ، فأتي بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعفا عنهم وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجارة والنبل  . قال ابن إسحاق   : وفي ذلك أنزل الله : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم   ) الآية . 
وقال قتادة   : ذكر لنا أن رجلا يقال له :  " ابن زنيم   " اطلع على الثنية من الحديبية ،  فرماه المشركون بسهم فقتلوه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيلا فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار ، فقال لهم : " هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟ " . قالوا : لا . فأرسلهم ، وأنزل الله في ذلك : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم   ) الآية  . 
				
						
						
