[ ص: 470 ] تفسير سورة القمر وهي مكية . 
قد تقدم في حديث أبي واقد   : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ بقاف ، واقتربت الساعة ، في الأضحى والفطر  ، وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار ، لاشتمالهما على ذكر الوعد والوعيد وبدء الخلق وإعادته ، والتوحيد وإثبات النبوات ، وغير ذلك من المقاصد العظيمة . 
بسم الله الرحمن الرحيم 
( اقتربت الساعة وانشق القمر   ( 1 ) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر   ( 2 ) وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر   ( 3 ) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر   ( 4 ) حكمة بالغة فما تغن النذر   ( 5 ) ) 
يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها . كما قال تعالى : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه [ سبحانه ]   ) [ النحل : 1 ] ، وقال : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون   ) [ الأنبياء : 1 ] وقد وردت الأحاديث بذلك ، قال الحافظ  أبو بكر البزار   : 
حدثنا  محمد بن المثنى   وعمرو بن علي  قالا حدثنا خلف بن موسى  ، حدثني أبي ، عن قتادة  ، عن أنس  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب أصحابه ذات يوم ، وقد كادت الشمس أن تغرب فلم يبق منها إلا شف يسير ، فقال : " والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ، وما نرى من الشمس إلا يسيرا "  . 
قلت : هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف العمي  ، عن أبيه . وقد ذكره  ابن حبان  في الثقات ، وقال : ربما أخطأ . 
حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره ، قال الإمام أحمد   : حدثنا  الفضل بن دكين  ، حدثنا شريك  ، حدثنا سلمة بن كهيل  ، عن مجاهد  ، عن ابن عمر  قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - والشمس على قعيقعان بعد العصر ، فقال : " ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقي من النهار فيما مضى "  . 
 [ ص: 471 ] وقال الإمام أحمد   : حدثنا حسين  ، حدثنا محمد بن مطرف  ، عن أبي حازم  ، عن سهل بن سعد  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " بعثت والساعة هكذا   " . وأشار بإصبعيه : السبابة والوسطى  . 
أخرجاه من حديث  أبي حازم سلمة بن دينار   . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا محمد بن عبيد  ، حدثنا الأعمش  ، عن أبي خالد  ، عن  وهب السوائي  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها  " وجمع الأعمش  بين السبابة والوسطى . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا أبو المغيرة  ، حدثنا الأوزاعي  ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله  ، قال : قدم أنس بن مالك  على  الوليد بن عبد الملك  فسأله : ماذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر به الساعة ؟ فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " أنتم والساعة كهاتين  " . 
تفرد به أحمد  ، رحمه الله . وشاهد ذلك أيضا في الصحيح في أسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه الحاشر الذي يحشر الناس على قدميه   . 
وقال الإمام أحمد   : حدثنا بهز بن أسد  ، حدثنا  سليمان بن المغيرة  ، حدثنا حميد بن هلال  ، عن خالد بن عمير  قال : خطب  عتبة بن غزوان   - قال بهز   : وقال قبل هذه المرة - خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد ، فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء ، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابها صاحبها ، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاما ما يدرك لها قعرا ، والله لتملؤنه ، أفعجبتم ! والله لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عاما ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام " وذكر تمام الحديث ، انفرد به مسلم   . 
وقال أبو جعفر بن جرير   : حدثني يعقوب  ، حدثني  ابن علية  ، أخبرنا عطاء بن السائب  ، عن  أبي عبد الرحمن السلمي  قال : نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ ، فجاءت الجمعة ، فحضر أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة  فقال : ألا إن الله يقول : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) ، ألا وإن الساعة قد اقتربت ، ألا وإن القمر قد انشق ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار ، وغدا السباق ، فقلت لأبي : أيستبق الناس غدا ؟ فقال : يا بني إنك لجاهل ، إنما هو السباق بالأعمال .  [ ص: 472 ] ثم جاءت الجمعة الأخرى فحضرنا فخطب حذيفة  ، فقال : ألا إن الله عز وجل يقول : ( اقتربت الساعة وانشق القمر    ) ، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق ، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق ، ألا وإن الغاية النار ، والسابق من سبق إلى الجنة  . 
وقوله : ( وانشق القمر   ) : قد كان هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة . وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود  أنه قال : " خمس قد مضين : الروم ، والدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر "  . وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم -  وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات . 
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك : 
رواية أنس بن مالك   : 
قال الإمام أحمد   : حدثنا عبد الرزاق  ، حدثنا معمر  ، عن قتادة  ، عن أنس بن مالك  قال : سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - آية ، فانشق القمر بمكة مرتين ، فقال : ( اقتربت الساعة وانشق القمر )  . 
ورواه مسلم  ، عن محمد بن رافع  ، عن عبد الرزاق   . 
وقال  البخاري   : حدثني عبد الله بن عبد الوهاب  ، حدثنا بشر بن المفضل  ، حدثنا  سعيد بن أبي عروبة  ، عن قتادة  ، عن أنس بن مالك ;  أن أهل مكة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يريهم آية ، فأراهم القمر شقين ، حتى رأوا حراء بينهما . 
وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤدب  ، عن شيبان  ، عن قتادة   . ورواه مسلم  أيضا من حديث  أبي داود الطيالسي  ،  ويحيى القطان  ، وغيرهما ، عن شعبة  ، عن قتادة  ، به . 
رواية جبير بن مطعم  رضي الله عنه : 
قال الإمام أحمد :  حدثنا محمد بن كثير  ، حدثنا سليمان بن كثير  ، عن حصين بن عبد الرحمن  ، عن محمد بن جبير بن مطعم  ، عن أبيه ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين : فرقة على هذا الجبل ، وفرقة على هذا الجبل ، فقالوا : سحرنا محمد . فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . 
تفرد به الإمام أحمد  من هذا الوجه ، وأسنده  البيهقي  في " الدلائل " من طريق محمد بن كثير ،   [ ص: 473 ] عن أخيه سليمان بن كثير  ، عن حصين بن عبد الرحمن  ، [ به ] . وهكذا رواه ابن جرير  من حديث  محمد بن فضيل  وغيره عن حصين  ، به . ورواه  البيهقي  أيضا من طريق  إبراهيم بن طهمان  وهشيم  ، كلاهما عن حصين  عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم  ، عن أبيه ، عن جده فذكره . 
رواية  عبد الله بن عباس   [ رضي الله عنهما ] 
قال  البخاري   : حدثنا يحيى بن بكير  ، حدثنا بكر  ، عن جعفر  ، عن عراك بن مالك  ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة  ، عن ابن عباس  قال : انشق القمر في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 
ورواه  البخاري  أيضا ومسلم  ، من حديث بكر بن مضر  ، عن  جعفر بن ربيعة  ، عن عراك [ بن مالك   ] ، به مثله . 
وقال ابن جرير   : حدثنا ابن مثنى  ، حدثنا عبد الأعلى  ، حدثنا  داود بن أبي هند  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  قوله : ( اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر    ) قال : قد مضى ذلك ، كان قبل الهجرة ، انشق القمر حتى رأوا شقيه . 
وروى العوفي  ، عن ابن عباس  نحو هذا . 
وقال  الطبراني   : حدثنا أحمد بن عمرو البزار  ، حدثنا محمد بن يحيى القطعي  ، حدثنا  محمد بن بكر  ، حدثنا  ابن جريج  ، عن  عمرو بن دينار  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : كسف القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : سحر القمر . فنزلت : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) إلى قوله : ( مستمر ) . 
رواية عبد الله بن عمر   : 
قال الحافظ  أبو بكر البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي  قالا : حدثنا أبو العباس الأصم  ، حدثنا العباس بن محمد الدوري  ، حدثنا  وهب بن جرير  ، عن شعبة  ، عن الأعمش  ، عن مجاهد  ، عن عبد الله بن عمر  في قوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) قال : وقد كان ذلك على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انشق فلقتين : فلقة من دون الجبل ، وفلقة من خلف الجبل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اشهد " . 
 [ ص: 474 ] وهكذا رواه مسلم  ،  والترمذي  ، من طرق عن شعبة  ، عن الأعمش  ، عن مجاهد  ، به . قال مسلم  كرواية مجاهد  عن أبي معمر  عن ابن مسعود   . وقال الترمذي   : حسن صحيح . 
رواية  عبد الله بن مسعود   : 
قال الإمام أحمد :  حدثنا سفيان  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  ، عن أبي معمر  ، عن ابن مسعود  قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقين حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " اشهدوا " . 
وهكذا رواه  البخاري  ومسلم  ، من حديث سفيان بن عيينة  ، به . وأخرجاه من حديث الأعمش  ، عن إبراهيم  ، عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة  ، عن ابن مسعود  ، به . 
وقال ابن جرير   : حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي  ، حدثنا عمي يحيى بن عيسى  ، عن الأعمش  ، عن إبراهيم ، عن رجل ، عن عبد الله  ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى فانشق القمر ، فأخذت فرقة خلف الجبل ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اشهدوا ، اشهدوا " . 
قال  البخاري   : وقال أبو الضحى  ، عن مسروق  ، عن عبد الله   : بمكة   . 
وقال  أبو داود الطيالسي   : حدثنا أبو عوانة  ، عن المغيرة  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  ، عن  عبد الله بن مسعود  ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت قريش : هذا سحر ابن أبي كبشة . قال : فقالوا : انظروا ما يأتيكم به السفار ، فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم . قال : فجاء السفار فقالوا : ذلك  . 
وقال  البيهقي   : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ  ، أخبرنا  أبو العباس محمد بن يعقوب  ، حدثنا العباس بن محمد الدوري  ، حدثنا سعيد بن سليمان  ، حدثنا هشيم  ، حدثنا مغيرة  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  ، عن عبد الله  ، قال : انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ، فقال كفار قريش أهل مكة : هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة ، انظروا السفار ، فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ، وإن كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو سحر سحركم به . قال : فسئل السفار ، قال : وقدموا من كل وجهة ، فقالوا : رأيناه . 
رواه ابن جرير  من حديث المغيرة  ، به . وزاد : فأنزل الله عز وجل : ( اقتربت الساعة وانشق القمر   ) . ثم قال ابن جرير   : 
 [ ص: 475 ] حدثني يعقوب بن إبراهيم  ، حدثنا  ابن علية  ، أخبرنا أيوب  ، عن  محمد - هو ابن سيرين   - قال : نبئت أن ابن مسعود   - رضي الله عنه - كان يقول : لقد انشق القمر . 
وقال ابن جرير  أيضا : حدثني محمد بن عمارة  ، حدثنا عمرو بن حماد  ، حدثنا أسباط  ، عن سماك  ، عن إبراهيم  ، عن الأسود  ، عن عبد الله  قال : لقد رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق  . 
ورواه الإمام أحمد  عن مؤمل  ، عن إسرائيل  ، عن سماك  ، عن إبراهيم  ، عن الأسود  ، عن عبد الله  ، قال : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى رأيت الجبل من بين فرجتي القمر . 
وقال ليث  عن مجاهد   : انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار فرقتين ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر : " اشهد يا أبا بكر " . فقال المشركون : سحر القمر حتى انشق  . 
وقوله : ( وإن يروا آية   ) أي : دليلا وحجة وبرهانا ) يعرضوا ) أي : لا ينقادون له ، بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم ، ( ويقولوا سحر مستمر   ) أي : ويقولون : هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر سحرنا به . 
ومعنى ) مستمر ) أي : ذاهب . قاله مجاهد  ، وقتادة  ، وغيرهما ، أي : باطل مضمحل ، لا دوام له . 
( وكذبوا واتبعوا أهواءهم   ) أي : كذبوا بالحق إذ جاءهم ، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم . 
وقوله : ( وكل أمر مستقر   ) قال قتادة   : معناه : أن الخير واقع بأهل الخير ، والشر واقع بأهل الشر . 
وقال  ابن جريج   : مستقر بأهله . وقال مجاهد   : ( وكل أمر مستقر   ) أي : يوم القيامة . 
وقال  السدي   : ( مستقر ) أي : واقع . 
وقوله : ( ولقد جاءهم من الأنباء    ) أي : من الأخبار عن قصص الأمم المكذبين بالرسل ، وما حل بهم من العقاب والنكال والعذاب ، مما يتلى عليهم في هذا القرآن ، ( ما فيه مزدجر   ) أي : ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب . 
وقوله : ( حكمة بالغة   ) أي : في هدايته تعالى لمن هداه وإضلاله لمن أضله ، ( فما تغن النذر   ) يعني : أي شيء تغني النذر عمن كتب الله عليه الشقاوة ، وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه من بعد الله ؟ وهذه الآية كقوله تعالى : ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين   ) [ الأنعام : 149 ] ، وكذا قوله تعالى : ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون   ) [ يونس : 101 ] . 
				
						
						
