[ ص: 22 ]  ( إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم    ( 18 ) والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم   ( 19 ) ) 
يخبر تعالى عما يثيب به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة ، ( وأقرضوا الله قرضا حسنا   ) أي : دفعوه بنية خالصة ابتغاء وجه الله ، لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورا ; ولهذا قال : ( يضاعف لهم   ) أي : يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ، ويزداد على ذلك إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك ( ولهم أجر كريم   ) أي : ثواب جزيل حسن ، ومرجع صالح ومآب ) كريم ) 
وقوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون    ) هذا تمام لجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون   . 
قال العوفي  ، عن ابن عباس  في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون   ) هذه مفصولة ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) . 
وقال أبو الضحى   : ( أولئك هم الصديقون   ) ثم استأنف الكلام فقال : ( والشهداء عند ربهم   ) وهكذا قال مسروق  ، والضحاك  ،  ومقاتل بن حيان  ، وغيرهم . 
وقال الأعمش  ، عن أبي الضحى  ، عن مسروق  ، عن عبد الله  في قوله : ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   ) قال : هم ثلاثة أصناف : يعني المصدقين ، والصديقين ، والشهداء ، كما قال [ الله ] تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين   ) [ النساء : 69 ] ففرق بين الصديقين والشهداء ، فدل على أنهما صنفان . ولا شك أن الصديق أعلى مقاما من الشهيد ، كما رواه الإمام مالك بن أنس  ، رحمه الله ، في كتابه الموطإ ، عن صفوان بن سليم  ، عن  عطاء بن يسار  ، عن  أبي سعيد الخدري  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم " . قالوا : يا رسول الله ، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين  " . 
اتفق  البخاري  ، ومسلم  على إخراجه من حديث مالك  به 
وقال آخرون : بل المراد من قوله : ( أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم   ) فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء . حكاه ابن جرير  ، عن مجاهد  ، ثم قال ابن جرير   : 
 [ ص: 23 ] 
حدثني صالح بن حرب أبو معمر  ، حدثنا إسماعيل بن يحيى  ، حدثنا ابن عجلان  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  البراء بن عازب  قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " مؤمنو أمتي شهداء " . قال : ثم تلا - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم   ) هذا حديث غريب 
وقال أبو إسحاق  ، عن عمرو بن ميمون  في قوله : ( والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم   ) قال : يجيئون يوم القيامة معا كالإصبعين  . 
وقوله : ( والشهداء عند ربهم   ) أي : في جنات النعيم ، كما جاء في الصحيحين : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : ماذا تريدون ؟ فقالوا : نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة . فقال إني قضيت أنهم إليها لا يرجعون  " 
وقوله : ( لهم أجرهم ونورهم   ) أي : لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم ، وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال ، كما قال  الإمام أحمد   : 
حدثنا يحيى بن إسحاق  ، حدثنا ابن لهيعة  ، عن عطاء بن دينار  ، عن أبي يزيد الخولاني  قال : سمعت فضالة بن عبيد  يقول : سمعت  عمر بن الخطاب  يقول : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الشهداء أربعة : رجل مؤمن جيد الإيمان ، لقي العدو فصدق الله فقتل ، فذلك الذي ينظر الناس إليه هكذا - ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو قلنسوة عمر ، والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح ، جاءه سهم غرب فقتله ، فذاك في الدرجة الثانية ، والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الثالثة ، والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافا كثيرا ، لقي العدو فصدق الله حتى قتل ، فذاك في الدرجة الرابعة  " . 
وهكذا رواه  علي بن المديني  ، عن  أبي داود الطيالسي  ، عن ابن المبارك  عن ابن لهيعة  ، وقال : هذا إسناد مصري صالح . ورواه الترمذي  من حديث ابن لهيعة  وقال : حسن غريب 
وقوله : ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم   ) لما ذكر السعداء ومآلهم ، عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم . 
				
						
						
