[ ص: 101 ]  [ بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل ] تفسير سورة التوبة ، مدنية . 
( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين    ( 1 ) فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين   ( 2 ) ) 
هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال  البخاري   . 
حدثنا  [ أبو ] الوليد  ، حدثنا شعبة  ، عن أبي إسحاق  قال : سمعت البراء  يقول : آخر آية نزلت : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة   ) [ النساء : 176 ] وآخر سورة نزلت براءة . 
وإنما لا يبسمل في أولها لأن الصحابة لم يكتبوا البسملة في أولها في المصحف الإمام ، والاقتداء في ذلك بأمير المؤمنين عثمان بن عفان   - رضي الله عنه وأرضاه - كما قال الترمذي   : 
حدثنا  محمد بن بشار  ، حدثنا يحيى بن سعد  ، ومحمد بن جعفر   وابن أبي عدي  ، وسهل بن يوسف  قالوا : حدثنا  عوف بن أبي جميلة  أخبرني يزيد الفارسي  ، أخبرني ابن عباس  قال : قلت لعثمان بن عفان   : ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال ، وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ، ولم تكتبوا بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) ووضعتموها في السبع الطول ، ما حملكم على ذلك ؟ فقال عثمان   : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب ، فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، فإذا نزلت عليه الآية فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال من أول ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها وحسبت أنها منها ، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بينهما سطر ) بسم الله الرحمن الرحيم ) فوضعتها في السبع الطول  . 
 [ ص: 102 ] وكذا رواه أحمد  ، وأبو داود  ،  والنسائي  ،  وابن حبان  في صحيحه ،  والحاكم  في مستدركه ، من طرق أخر ، عن عوف الأعرابي  ، به ، وقال  الحاكم   : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . 
وأول هذه السورة الكريمة نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من غزوة تبوك  وهم بالحج ، ثم ذكر أن المشركين يحضرون عامهم هذا الموسم على عادتهم في ذلك ، وأنهم يطوفون بالبيت عراة فكره مخالطتهم ، فبعث  أبا بكر الصديق   - رضي الله عنه - أميرا على الحج هذه السنة ، ليقيم للناس مناسكهم ، ويعلم المشركين ألا يحجوا بعد عامهم هذا ، وأن ينادي في الناس ببراءة ، فلما قفل أتبعه  بعلي بن أبي طالب  ليكون مبلغا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكونه عصبة له ، كما سيأتي بيانه . 
فقوله : ( براءة من الله ورسوله   ) أي : هذه براءة ، أي : تبرؤ من الله ورسوله ( إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر   ) 
اختلف المفسرون هاهنا اختلافا كثيرا ، فقال قائلون : هذه الآية لذوي العهود المطلقة غير المؤقتة ، أو من له عهد دون أربعة أشهر ، فيكمل له أربعة أشهر ، فأما من كان له عهد مؤقت فأجله إلى مدته ، مهما كان ؛ لقوله تعالى : ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين   ) [ التوبة : 4 ] ولما سيأتي في الحديث : ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته  . وهذا أحسن الأقوال وأقواها ، وقد اختاره ابن جرير   - رحمه الله - وروي عن الكلبي   ومحمد بن كعب القرظي  ، وغير واحد . 
وقال علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس  في قوله : ( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر   ) قال : حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيثما شاءوا ، وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم ، [ من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم ، فذلك خمسون ليلة ، فإذا انسلخ الأشهر الحرم ] أمره بأن يضع السيف فيمن لا عهد له  . 
وكذا رواه العوفي  ، عن ابن عباس   . 
وقال  [ الضحاك ]  بعد قوله : فذلك خمسون ليلة : فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبينه عهد ، يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام . وأمر ممن كان له عهد إذا انسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر ، أن يضع فيهم السيف حتى يدخلوا في الإسلام . 
وقال أبو معشر المدني   : حدثنا  محمد بن كعب القرظي  وغيره قالوا : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر  أميرا على الموسم سنة تسع ، وبعث  علي بن أبي طالب  بثلاثين آية أو أربعين آية من " براءة " فقرأها  [ ص: 103 ] على الناس ، يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض ، فقرأها عليهم يوم عرفة  ، أجل المشركين عشرين من ذي الحجة ، والمحرم ، وصفر ، وشهر ربيع الأول ، وعشرا من ربيع الآخر ، وقرأها عليهم في منازلهم ، وقال : لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان  . 
وقال ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( براءة من الله ورسوله   ) إلى أهل العهد : خزاعة  ، ومدلج  ، ومن كان له عهد أو غيرهم . أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تبوك  حين فرغ ، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج ، ثم قال : إنما يحضر المشركون فيطوفون عراة ، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك . فأرسل أبا بكر  وعليا   - رضي الله عنهما - فطافا بالناس في ذي المجاز  وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها بالمواسم كلها ، فآذنوا أصحاب العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر ، فهي الأشهر المتواليات : عشرون من ذي الحجة إلى عشر يخلون من ربيع الآخر ، ثم لا عهد لهم ، وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا  . 
وهكذا روي عن  السدي   : وقتادة   . 
وقال الزهري   : كان ابتداء التأجيل من شوال وآخره سلخ المحرم . 
وهذا القول غريب ، وكيف يحاسبون بمدة لم يبلغهم حكمها ، وإنما ظهر لهم أمرها يوم النحر ، حين نادى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، ولهذا قال تعالى : 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					