القول في وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( 7 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : ( وأوحينا إلى أم موسى ) حين ولدت موسى ( أن أرضعيه ) .
وكان قتادة يقول ، في معنى ذلك ( وأوحينا إلى أم موسى ) : قذفنا في قلبها .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأوحينا إلى أم موسى ) وحيا جاءها من الله ، فقذف في قلبها ، وليس بوحي نبوة ، أن أرضعي موسى ، ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني ) . . . الآية . .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( وأوحينا إلى أم موسى ) قال : قذف في نفسها .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : أمر السدي ، فرعون أن يذبح من ولد من بني إسرائيل سنة ، ويتركوا سنة ; فلما كان في السنة التي يذبحون فيها حملت بموسى ; فلما أرادت وضعه ، حزنت من شأنه ، فأوحى الله إليها ( أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ) . [ ص: 520 ]
واختلف أهل التأويل في الحال التي أمرت أم موسى أن تلقي موسى في اليم ، فقال بعضهم : أمرت أن تلقيه في اليم بعد ميلاده بأربعة أشهر ، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مما يطلب الصبي بعد حال سقوطه من بطن أمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج ، أن أرضعيه فإذا خفت عليه ) قال : إذا بلغ أربعة أشهر وصاح ، وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك ( فألقيه ) حينئذ ( في اليم ) فذلك قوله : ( فإذا خفت عليه ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : لم يقل لها : إذا ولدتيه فألقيه في اليم ، إنما قال لها : ( أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ) بذلك أمرت ، قال : جعلته في بستان ، فكانت تأتيه كل يوم فترضعه ، وتأتيه كل ليلة فترضعه ، فيكفيه ذلك .
وقال آخرون : بل أمرت أن تلقيه في اليم بعد ولادها إياه ، وبعد رضاعها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : لما وضعته أرضعته ، ثم دعت له نجارا ، فجعل له تابوتا ، وجعل مفتاح التابوت من داخل ، وجعلته فيه ، فألقته في اليم . السدي ،
وأولى قول قيل في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر أم موسى أن ترضعه ، فإذا خافت عليه من عدو الله فرعون وجنده أن تلقيه في اليم . وجائز أن تكون خافتهم عليه بعد أشهر من ولادها إياه ; وأي ذلك كان ، فقد فعلت ما أوحى الله إليها فيه ، ولا خبر قامت به حجة ، ولا فطرة في العقل لبيان أي ذلك كان من أي ، فأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال كما قال جل ثناؤه ، واليم الذي أمرت أن تلقيه فيه هو النيل .
كما حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي فألقيه في اليم ) قال : هو البحر ، وهو النيل . وقد بينا ذلك بشواهده ، وذكر الرواية فيه فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . [ ص: 521 ]
وقوله : ( ولا تخافي ولا تحزني ) يقول : لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه ، ولا تحزني لفراقه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ( ولا تخافي ولا تحزني ) قال : لا تخافي عليه البحر ، ولا تحزني لفراقه ; ( إنا رادوه إليك ) .
وقوله : ( إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) يقول : إنا رادوا ولدك إليك للرضاع لتكوني أنت ترضعيه ، وباعثوه رسولا إلى من تخافينه عليه أن يقتله ، وفعل الله ذلك بها وبه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ( إنا رادوه إليك ) وباعثوه رسولا إلى هذا الطاغية ، وجاعلو هلاكه ، ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه .