الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت معدومة الإرادة ولم أستطع تحقيق أهدافي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة متزوجة، مشكلتي هي أنني أصبحت معدومة الإرادة، لم أعد أستطع تحقيق أي من أهدافي، بل وحتى أغلب واجباتي؛ لا أدري ماذا يحصل لي!

في كل يوم أنوي البدء من جديد وتدارك ما فات، ولكني لا ألبث أن أتكاسل إلى أن وصلت لمرحلة اليأس من حالتي، ولم أعد أدر ماذا أفعل؟

بدأت مشكلتي بعد سنتين من حياتي الجامعية، حيث كنت قبل ذلك متفوقة بكل شيء، كنت مضرب المثل بتفوقي بدراستي، وحفظي للقرآن، وأدبي، وجمالي، وترتيبي؛ لكن كل ذلك أصبح من الماضي، فقد مر على حالي عدة سنوات، وهذه المدة الطويلة سببت لي التمادي في الإهمال والكسل.

أحاول كل فترة إصلاح أموري، وأستمر عدة أيام، وعند أول مشكلة سواء زوجية، أو تأجيل لسبب طارئ، أو حتى بلا سبب واضح أتوقف!

ما زلت على قدر من الالتزام، لكن ليس كما أريد، فأنا أسمح للظروف وردود أفعالي بالتحكم بي!

دراستي الجامعية على وشك الانهيار، وأساتذتي يقولون إنني ذكية، ولكن لا يعلمون ماذا أفعل بنفسي، والحقيقة أنني أدمر نفسي!

أنا فتاة طموحة ولدي آمال كبيرة، لكن ضعف إرادتي سبب لي إحباطّا كبيرّا ومشاكل كثيرة، بعدت عن ربي وأهملت دراستي، وحتى حياتي الزوجية والاجتماعية؛ ليس تمامّا ولكن إلى حد كبيرًا.

أصبحت منعزلة اجتماعيًا، مكتئبة، فقدت ثقتي بنفسي، أشعر بالإحراج، لم أعد قادرة على مواجهة الناس عند السؤال عن جامعتي!

سببت الألم لأمي وأبي، وخاصة أمي التي كانت دراستي وتفوقي وكل احتياجاتي شغلها الشاغل، وأبي أيضًا حنون جدًا ولم يرفض لي طلبًا، واهتم بتربيتي أفضل تربية، أما الآن فقد خذلتهما وخذلت نفسي!

لدي مشاكل بحياتي الزوجية بعضها بيدي والآخر لا حول لي به ولا قوة، زوجي رجل ملتزم حنون طيب القلب، وأحبه كثيرًا؛ لكن لا أشعر بدعمه ومساندته في كثير من الأحيان.

مشاعري متقلبة معه، أحيانًا أشعر بحب جارف له وخوف شديد عليه، وأستطيع التضحية من أجله، وفي أحيان أخرى يتراجع هذا الشعور؛ مما يفقدني الأمان في حياتي الزوجية!

أعتذر على الإطالة؛ لكنني أكتب والألم والخوف يعتصر قلبي. أرجو منكم إرشادي!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ... حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن كل ما ورد في رسالتك يدل -والحمد لله- على تماسك شخصيتك وعلى ترابطها وتوازن أبعادها، وكل هذه المتغيرات التي حدثت لك هي دليل على أنك أصبت باكتئاب نفسي أو شيء من هذا القبيل، قد يأتي في صورة مخالفة، كالشعور بالتكاسل وافتقاد الدافعية، والتراخي، وتنمو هذه الأعراض، وبمرور الأيام يجد الإنسان أنه قد دخل في حلقة مغلقة تمامًا مما يزيد من إحباطاته.

أرى أن هذا هو الوضع الذي حدث بالنسبة لك، والملاحظ عن الاكتئاب أيضًا في هذه الأيام وخلال السنوات الأخيرة أنه أصبح يأتي لأناس في أعمار صغيرة نسبيًّا مثل شخصك الكريم، الاكتئاب يعرف عنه أنه مرض وسط العمر، ولكن دراسات كثيرة تشير أنه حتى الأطفال يصابون به.

والاكتئاب قد يأتي للبر والفاجر، وللغني والفقير، لا تعرف حدوده، وفي معظم الحالات لا تعرف أسبابه، ولكن -بفضل الله تعالى- يمكن أن يُعالج، وهذا هو المهم في الأمر.

الذي أراه أن تبني فكرًا إيجابيًا عن نفسك، أنت لك مميزات طيبة، وكثيرة، وذكرت في رسالتك، وهي -إن شاء الله- كلها موجودة، وهي لن تزول: الأدب، التمسك بالدين، الجمال، التربية الحسنة، والزوج المحب...؛ هذه كلها ذخائر وملاذات آمنة كلها لديك، فالتفكير الإيجابي وبناء صورة إيجابية عن النفس هي أفضل وسيلة لإزالة الأفكار السلبية المشوهة عن الذات، هذا أمر لا بد أن تدركيه، ولا بد أن تكون لك قناعات به، وعليك بالتركيز عليه، ومن ثم ابدئي في تنظيم حياتك، وفي تنظيم وقتك، وإدارته بصورة جيدة.

وأنا أقول لك: إن تطوير المهارات الاجتماعية، والإكثار من التواصل الاجتماعي، والقيام بالواجبات المنزلية، وممارسة الرياضة، والقراءة، والاطلاع، والانضمام إلى مراكز تحفيظ القرآن...؛ هذا -أختي الكريمة- كله يحسن من الدافعية.

أنا أعرف أن الدافعية لديك منخفضة جدًا، ولكن بالتدريج وبناء قناعات إيجابية عن ذاتك يمكنك -إن شاء الله تعالى- أن تصلي إلى مراميك، وأن تزيلي هذا الاكتئاب تمامًا.

أبشرك -أيتها الفاضلة الكريمة- أن الأدوية النفسية الموجودة الآن، بينها أدوية فاعلة جدًّا وسليمة جدًّا، وأعتقد أنك في حاجة لأحد هذه الأدوية.

الدواء الذي أفضله هو عقار يعرف علميًا باسم (فلوكستين FLUOXETINE)، ويسمى تجاريًا باسم (بروزاك PROZAC)، وأرجو أن تطرحي هذا الموضوع على زوجك الكريم، ويا حبذا لو طرحت عليه هذه الإجابة، ومن ثم استئذانه، وأن تبدئي في تناول هذا الدواء، وهذا الدواء لا يحتاج إلى وصفة طبية.

الجرعة المطلوبة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة (20 مليجراماً) يوميًا، يمكنك أن تتناولينها صباحًا أو مساءً، ويفضل تناولها دائمًا بعد الأكل، استمري عليها لمدة شهر، ثم ارفعي الجرعة إلى كبسولتين في اليوم -أي 40 مليجراماً-، واستمري على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أخرى، ثم توقفي عن تناول الدواء.

كما تلاحظين فقد قسمنا الجرعة إلى المراحل العلاجية المعروفة، وهي جرعة البداية، ثم جرعة العلاج، ثم جرعة الوقاية، وكما أسلفت لك: هذا الدواء من الأدوية الجيدة والممتازة، وغير إدماني وغير تعودي، ولا يؤثر أبدًا على الهرمونات النسوية.

أنا على ثقة كاملة أن هذه الأسس الإيجابية والطيبة في حياتك سوف تكون هي القاعدة التي من خلالها تنطلقين نحو رحاب أوسع وحياة مليئة بالأمل والتفاؤل، عيشي حياتك الآن بقوة، وعيشي المستقبل بأمل ورجاء، وإن شاء الله تجدين أن أمرك قد تيسر، وقد زال هذا الكدر، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً