الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ما أعانيه اختلال الأنية وتبدد في الشخصية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني من توهم مرضي (بالأورام الدماغية) منذ شهور ولم أشفَ منه، وأعراضي لا تنتهي، وخوفي لا ينتهي، ولا أستطيع التحكم في تفكيري.

والله إني سئمتُ الحياة، لماذا لم أشفَ من المرض؟! لماذا لا تنتهي أعراضي؟! لماذا لم أستجب للأدوية النفسية كالسبرالكس وغيرها؟! ولكن ليس هذا موضوعنا، فقد دخلتُ في متاهة لا يعلمها إلا الله، فبعد قراءة أعراضي أرجو أن تقول لي: هل هذا صرع؟

أعاني من اختلال الأنية -أنا شخصته بنفسي عن طريق المنتديات النفسية-، ولكنه ليس دائمًا، فأحيانًا يأتيني عندما أخرج من المنزل، ويختفي عندما أعود، وأحيانًا يظهر وأنا في المنزل، وإذا أتى قبل النوم فإنه يختفي بعد الاستيقاظ. عمومًا، يمكنني أن أصف الحالة:

إنني لا أشعر بجسدي، وأشعر أنني أمشي على أرض هلامية، كالشخص السكران، ليس في طريقة المشي، بل في الإحساس؛ أي أن مشيتي تكون طبيعية، ولا ألفت انتباه أحد، وفي هذه الحالة أشعر أن رأسي طريٌّ وكلي طريٌّ كالهلام، حتى إني أطأ بقدمي على شيء قاسٍ لكي أعرف هل لدي إحساس أم لا!

الآن وأنا أكتب الاستشارة أشعر أن الذي مضى حلم أو وهم، وأن الذي جرى اليوم قد مضى عليه زمن!

هذه الحالة عندما أكون خارج المنزل لا تختفي إلا عندما أعود إليه، إلا أنها غير دائمة؛ فأحيانًا أخرج وأنا طبيعي جدًا.

عندما أكون في المنزل لاحظت أنها تختفي بعد العادة السرية، فهل هذا اختلال أنية أم صرع أم أنه من القلق وليس موافقًا للتغرب عن الذات أو للصرع؟

لكن الفاجعة أنني دخلتُ أقرأ عن هذا المرض، ووجدتُ أنه يمكن أن يكون صرعًا! وهذا زاد خوفي من الأمراض. ذهبتُ إلى طبيب نفسي وعصبي لأشرح له هذا، وهو يعرف حالتي ويعرف أنني مصاب بالتوهم المرضي، أقول له: اختلال أنية، فيقول: ما في شيء في الطب اسمه اختلال أنية أو تبدد شخصية! أقول له: يمكن أن يكون صرعًا؟ يقول لي: الصرع يُفقد الوعي وأنت لا تفقد الوعي، ولا يوجد صرع بدون فقدان للوعي، ولا يجيبني على أي سؤال.

كما يقول لي: إن كلام النت كله خاطئ، وأنت مريض بأوهام في رأسك، وأنت جبان! يعاملني بطريقة قاسية، ويقول لي: لا أريد أن أراك مجددًا، ووصف لي للمرة الثالثة دواءً اسمه (فلوناكسول)، وقال لي: إنه أفضل من أي دواء آخر.

والله إني الآن أبكي، وقلبي يبكي، وأشعر باليأس، وأشعر أن تشخيص المرض قد أتى، وخائف جدًا.

أقول لنفسي: إنه لو كان صرعًا فإنه لا يبقى إلا لثوانٍ أو دقائق معدودة، فهل هذا صحيح؟

الذي أطلبه منكم أن تقولوا لي: هل ما أعاني منه هو الصرع في الفص الصدغي، أم أنه من القلق والخوف من الأمراض، أم اختلال أنية؟ وهل اختلال الأنية يكون بشكل نوبات، كما هي حالتي؟

مواقع النت دوَّختني، ولم أجد الشيء الذي يريحني فيها، ولا أملك القدرة المالية للذهاب إلى طبيب نفسي آخر.

أحيانًا أشعر أني تحت تأثير الحشيش بدون تعاطيه! علمًا أنني أتعاطاه بكميات قليلة، نحو شهيقين أو أكثر، من فترة لأخرى.

أعطوني تشخيصًا لحالتي، وتشخيصكم هذا سوف يكون النهاية، لا أريد أي شيء بعده سوى المقاومة، ولا أريد بعده أن أقرأ عن الأمراض، وأرجو أن تقولوا لي: متى يكون اختلال الأنية سببه الصرع؟ سوف أذهب للحج وخائف ومتردد أن يحصل لي شيء.

أرجو إفادتي، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على رسالتك هذه، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك، وأن يتم لك حجك.

أرجو ألَّا تنزعج من المسميات، وحين ذكر لك الطبيب أنه لا يوجد شيء اسمه اختلال الأنية أو تبدل الشخصية، أعتقد أنه أراد أن يطمئنك؛ لأنه بالفعل هذه المسميات أضرت بالكثير من الناس، وأدخلتهم في الأوهام، وهي في ذات الوقت ليست دقيقة، ومسانيدها العلمية ليست قوية، وهي تُستعمل استعمالًا مجازيًا، وليس أكثر من ذلك.

أخي الكريم: الذي لاحظته من رسالتك أنك تعاني من نوع من الظواهر الوسواسية أكثر من أي شيء آخر، فكل ما ذكرته هو دليل على وجود قلق، وهذا القلق وسواسي؛ ممَّا أعطاك الشعور بأنك تعاني من تبدد في الشخصية، أو اضطراب في الأنية.

أعتقد أن ما تعاني منه هو نوع من الوسواس وليس أكثر من ذلك، والوساوس كثيرًا ما تقود الإنسان إلى نوع من التفكير الغريب والعجيب.

قطعًا للحشيش أضراره، وأنت رجل تعاني من هشاشة نفسية، فلا تزدها -أيها الفاضل الكريم– من خلال تسميم خلايا دماغك، وقف على عرفة وسل الله تعالى أن يغفر لك، وأن يحفظك وأن ينقيك من هذه الشوائب.

بالنسبة لموضوع مرض الصرع: هنالك ما يُعرف بصرع الفص الصدغي دار حوله الكثير من النقاش، وهنالك بعض المتشددين من الأطباء النفسيين قالوا: إذا لم يجدوا تفسيرًا لعرض نفسي ما، فيجب أن يضعوه في قالب صرع الفص الصدغي.

أعتقد أن هذا الكلام هو نوع من الترف العلمي، الذي لا أعتقد أنه سوف يفيد الناس بل قد يضرهم.

أخي الكريم: لا أرى أنك تعاني من أي نوع من الصرع، لكن قطعًا إجراء فحوصات عامة بعد أن تنتهي من الحج، وهذه الفحوصات يمكن أن تشمل تخطيط الدماغ، أعتقد أن هذا سوف يساعدك.

الأمر الآخر: أنت تحتاج إلى أن تتابع مع طبيب نفسي، أنت ذكرت ظروفك، وأنك لا تستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي، لكن هذه الحالات يجب أن تُتابع؛ لأن المتابعة تعطي المريض – وكذلك الطبيب – فهمًا أدق وأعمق، فكل مقابلة لها مدلولاتها، ولها استكشافاتها، وهذا في الآخر يصب -إن شاء الله تعالى– في مصلحة المريض.

عمومًا لا تنزعج، أتمم حجك، وسل الله تعالى أن يشفيك، وأنا أعتقد أن تناول عقار مثل (سوليان - Solian) والذي يعرف باسم (أميسولبرايد - Amisulpride) أضف إليه جرعة من الـ (سيروكسات - Seroxat)، أو إذا أردت أن تستبدل السيروكسات بالـ (فافرين - faverin) فهذا قد يكون علاجًا جيدًا بالنسبة لحالتك، لكن قطعًا مراجعة الطبيب مهما صعبت الظروف سوف تكون أمرًا جيدًا، وأنا أميل كثيرًا إلى أن حالتك وسواسية، والوساوس تُعالج بصورة فعالة جدًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً