الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلما تبت عن معصية رجعت إليها، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة، أبلغ من العمر 17 سنة، كنت إنسانة رائعة ومميزة، وأذهب إلى مراكز القرآن، وأشارك بالمسابقات، توقفت من أجل الثانوية، وقبل سنة تقريبًا اكتشفت العادة المقرفة المخزية، وأشعر بشعور سيء جدًا، ولا أصدق أني هكذا، أهلي أناس مؤمنون وصالحون، أما أنا أشعر بأني حمقاء وحثالة، وأريد الاختفاء فقط.

أتوب وأذنب مرة أخرى، وأطول مدة لتوبتي شهر، ثم انتكست وأصبحت لا أستطيع التوقف إلا لمدة أسبوع، أشعر بالعار والخزي، وأقول: لماذا أنا ابتليت بهذا الذنب؟ وخصوصًا أني طالبة توجيهي -آخر سنة في المدرسة-، أريد أن أدرس، ولكن هذا الشيء يمنعني ويشتتني، وأخاف أن يكرهني الله ولا يوفقني في هذه المرحلة بسبب ذنوبي.

أرى الجميع في المقدمة، وأنا ما زلت في مكاني، جميع صديقاتي أتممن حفظ القرآن إلا أنا، كلما أردت إكماله أقول في نفسي: أخلاقك ليست بأخلاق حافظ القرآن، أرجوكم ماذا أفعل؟ أشعر بأني في دوامة، ونفسيتي محطمة جداً، وقرفت من نفسي.

وجزاكم الله الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ sumaia حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى أن يوفقك للخير ويُسهله لك، وأن يحميك من شرور نفسك ومن شرور الشيطان، فنوصيك أولاً بأن تُكثري من دعاء الله تعالى أن يُعينك على الطاعة، وأن يُجنّب ويحميك من شر نفسك، ومن شر الشيطان، فقد كان من الأدعية التي يُعلّمها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحبابه أدعية كثيرة تدور حول هذه المعاني، ومنها قوله لمعاذ: "يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، ومنها تعليمه -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه حين قال له: "قُلْ: اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي، وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي".

فالعون من الله تعالى والتوفيق بيده، عليك باللجوء إليه سبحانه وتعالى أن يُعينك على الخير ويشرح صدرك له، ويُبغّض إليك المنكرات، وسيستجيب الله تعالى دعائك حين تدعينه باضطرار وصدق، فإنه كما أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا".

ولا نوافقك -ابنتنا الكريمة- بأنك الآن لست إنسانة رائعة، فأنت إنسانة رائعة كما كنت في السابق أيضًا، وكل هذا القلق الذي يُصيبك بسبب فعلك لهذه الممارسة القبيحة هو أيضًا من جانبٍ يدلُّ على وجود الحياة في قلبك، فقلبك حيّ؛ ولأنه حي يشعر بكل هذا الانزعاج بسبب فعل المخالفة، وهذا أمرٌ متفهّم من الإنسان المؤمن إذا فعل المخالفة، أو المعصية فإنه يجد في نفسه وحشة بسبب هذا الذنب الذي فعله، وحشة بينه وبين الله تعالى، ووحشة بينه وبين الناس، حتى تستحكم هذه الوحشة وتتمكّن منه، فيجدها بينه وبين نفسه، وهذا من آثار الذنوب والمعاصي، ولكنه في الوقت نفسه دليل على وجود حياة في القلب.

فنحن نقرأ هذه الحالة التي أنت تعيشينها من زاويتين، نقرأها من جهة أنها مخالفة لا بد لك من السعي الجاد، والأخذ بالأسباب التي تخلِّصُك منها، وهذا سهلٌ يسير -بإذن الله تعالى-، أن تصوني نفسك عن كل المثيرات المسموعة، أو المرئية، وأن تملئي وقتك، فلا تدعي فيه شيئًا من الفراغ، وأن تُكثري من مجالسة النساء الصالحات الطيبات، وأن تداومي على الصوم إذا استطعت ذلك.

كل هذه الأسباب مجتمعة لا بد أنها ستُهذّب نفسك وتُقلِّل تطلُّعك نحو فعل هذه الخصلة القبيحة، وإذا قُدّر أنك وقعت في الضعف ومارست هذه العادة، فليس ذلك نهاية التاريخ، فينبغي أن تعلمي أن باب التوبة مفتوح، وأن الإنسان يعود بعد توبته إلى حالٍ ربما تكون أحسن من حاله قبل التوبة، وقد وعد الله تعالى بأنه يُبدّل سيئات التائبين حسنات، والرسول يقول: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له".

فبادري إلى التوبة بعد فعل الذنب، والتوبة تعني الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه، مع الإقلاع عنه، فإذا فعل الإنسان هذا محا الله تعالى ذنبه وكفّره وغفر له، وهذا لا يعني أنه سيصير معصومًا بعد ذلك، ولن يفعل ذنبًا، إنما هو عازم على ألَّا يفعل الذنب، ولكنه قد يضعف بعد ذلك فيقع في الذنب مرة أخرى، وفي هذه الحالة هو أيضًا مطالب بأن يتوب توبة ثانية بعد هذا الذنب.

وهكذا يستمر الإنسان المسلم في السير في هذا الطريق، يعزم على ألَّا يرجع إلى الذنب ويأخذ بالأسباب التي تحميه وتقيه منه، ولكنّه إذا ضعف ووقع فيه مرة أخرى لا يعني ذلك أن الباب قد أُغلق، فباب الله مفتوح، فيُسارع إلى التوبة من جديد، وهكذا، ويسأل ربه الإعانة والتوفيق، وسيُكلِّلُ الله تعالى هذه الجهود بالنجاح؛ لأن هذا وعده سبحانه وتعالى لمن جاهد نفسه من أجل الله، فقد قال في كتابه الكريم: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين}.

نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد، وأن يُعينك على الخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً