الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجتي كثيراً ما تفتعل المشاكل معي ومع أمي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشكركم على هذا الموقع، وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.

أنا متزوج، ولدي 3 أبناء، وزوجتي كثيرًا ما تفتعل المشاكل معي ومع أمي، ولا نملك إلا أن نصبر عليها، ونسامحها، فهل أكون بذلك عاقًا لأمي؟

مؤخرًا حدثت مشكلة بسبب أني اشتريت بعض اللحم لأمي، فغضبت زوجتي، وقالت: أولادك أحق من أمك به، والآن هي في بيت أهلها غاضبة، ويفترض بي أن أراضيها، وأحضرها من بيت أهلها غدًا، مع عدم رضاي عنها، بسبب ما تفعله؛ فقد تركت البيت والأولاد منذ شهر تقريبًا، وهذه ليست المرة الأولى، وأعلم أنها لن تكون الأخيرة.

أنا أفكر بالانتحار بسبب شعوري بالظلم؛ فلو أردت تطليقها فإن المحاكم هنا ظالمة وجائرة، وستنقل كل شيء لها دون حق، فهل بفعلي ذلك أكون كافرًا؟ وبماذا تشيرون علي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل وأخانا الكريم- في الموقع، ونحب أن نؤكد لك أننا نشرف بخدمة أبنائنا وبناتنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يكتب لكم الاستقرار والسعادة.

لا شك أن ما يحصل من الزوجة لا نوافق عليه، ومقام الأم رفيع، ونسأل الله أن يُعينك على برّ الوالدة، ويُعينك أيضًا على عدم ظلم هذه الزوجة.

بعد أن أكدنا أن ما تفعله الزوجة خطأ، وأن الشرع الذي يأمرك بالإحسان للزوجة هو الذي يأمرك بإكرام الأم، والمبالغة في بِرِّها، وعليه نتمنّى أن يوفقك الله لتقوم بالواجبين، تجاه الوالدة أولاً، ثم تجاه الزوجة والأبناء، ونسأل الله أن يُصلح هذه الزوجة، وأن يهديها للخير وللرشاد.

من المهم جدًّا في مثل هذه الأحوال أن تنظر أولاً إلى إيجابيات هذه الزوجة، فنحن بشر، والنقص يُطاردنا، وطوبى لمن تنغمر سيئاته القليلة في بحور حسناته الكثيرة، فإذا كانت هذه الزوجة لها ميزات، كأن تكون مصلّيةً، ومهتمّةً بالأولاد، ونظيفةً، وتقوم بما عليها، وتعتني بأبنائها، فأرجو أن تضع هذا مقابل السلبيات الموجودة، فهذا معيار مهم، وهو معيار نبوي: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة، إنْ كَرِهَ منها خُلقًا رضي منها آخر).

الأمر الثاني: أرجو أن تعرف الوالدة أن مقامها محفوظ، ولا تتوقف عن بِرِّها مهما حصل من الزوجة أو من غيرها، وأن تُحسن للوالدة، وتعتذر لها ممَّا حصل من الزوجة، وأن تجتهد في أن تنقل لها أطيب المشاعر؛ فلا تنقل لها الأشياء السلبية التي تفعلها الزوجة، ولا تنقل للزوجة أيضًا رأي الوالدة إذا كان رأيها سلبيًا؛ فإن الإنسان الذي يريد الإصلاح يقولُ خيرًا، ويُنمي خيرًا، بمعنى أنه يزيد في الكلام الطيب حتى يتم الإصلاح بين الزوجين.

الأمر المهم جدًّا هو: مسألة اللجوء إلى الطلاق، أو التخلص من الأبناء، والهروب من الأسرة –أو كذا– هذه خيارات أرجو أن تستبعدها تمامًا، واعلم أن هذه الحياة لا تخلو من المشكلات، ولا تخلو من الصعوبات.

واجتهد دائمًا في أن تُخرج ذريّةً مستقلّةً؛ فهؤلاء الأبناء بحاجة إلى رعاية، وإلى الاهتمام، فإذا قصّرت هي فلا تقصّر أنت، والأفضل طبعًا أن تتعاونا وتضعا خطةً موحدةً، ونفضّل إرجاعها، ولكن حبذا أن يكون هناك شروط مع العقلاء من أهلها، تُبيّن لهم هذه التصرفات التي تحدث إذا كان في أهلها مَن يستطيع أن يُساعدك في إقامة هذا العِوج، وهذا الخلل الحاصل.

لكن نحب أن نؤكد لك أن النقص سيظلُّ مستمرًّا؛ لأن هذه طبائع النساء، وهنَّ بحاجة إلى صبر، وبحاجة إلى اهتمام، وبحاجة أيضًا أن يوازن الإنسان بين الواجبات الشرعية المفروضة عليه.

مرةً أخرى: ندعوك إلى أن تُطيب خاطر الوالدة، وطبعًا الوالدة ستكون حريصةً على أن تحافظ على بيتك، ولكن أنت طيّب خاطرها، واحفظ لها مكانتها، وتجنّب أي شيءٍ يُثير الاحتكاك، فليس من الضروري عندما تأتي للوالدة بشيء أن تُعلن ذلك، وتُخبر زوجتك، بمعنى: يستطيع الإنسان أن يكون حكيمًا في بعض التصرفات؛ فأحيانًا تحدث الغيرة بين الزوجة وبين الأم، والرجل عليه أن يعدل، وعليه أن يعطي الأمور حجمها، وتأخذ الوالدة مقامها، فهي والدة للجميع، وصاحبة فضل على زوجتك، لذلك لا تقصّر في حق الوالدة، وأيضًا لا تظلم زوجتك.

نحن نميل إلى أن تذهب وتأتِ بها، وحبَّذا لو شجعتها لتكتب لنا ما في نفسها؛ حتى تسمع مِنَّا التوجيهات، قل لها: (هذا موقع، اعرضي ما عندك، وقدّمي الشكوى التي تريدينها، واستمعي الإجابة، وكوني صادقةً)، أو اكتبوا مع بعضكم استشارةً مشتركةً يُوضح فيها كل طرف ما عنده، ليكون الحكم هو الشرع، فنحن ننطلق من قواعد هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله -تبارك وتعالى به-.

ونسأل الله أن يهدي زوجتك لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلَّا هو، وأن يُعينك على الصبر، وأن يُعينك على أن توفِّقْ بين الواجبات تجاه الوالدة، وتجاه الزوجة، وتجاه الأبناء، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً