الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطبني شاب وتركني ولا زلت متعلقة به، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا عمري 26 سنة، أريد نصيحتكم بشدة وقد ضاقت الدنيا بي، أعلم أن الله غفور رحيم، وأنه لطيف رؤوف بعباده، ولكنني أشعر بالجزع الآن والضياع، وأريد نصيحة أرجع بها إلى الله.

لدي وظيفة ممتازة، وأهلي أناس رحماء ومحترمون جدًا، ولكنني متعلقة بموضوع الزواج تعلقاً شديدًا، وهذا الأمر يحبطني ويعكر صفو أيامي، ويؤثر على حكمي على الأشخاص.

لقد تمت خطبتي منذ سنتين وتم كتب الكتاب، وكنت أخفي المشاكل، وما كنت أراه من صفات سيئة في الرجل؛ لأكمل الزواج على خير، ولكن لم يكن تصرفي صائبًا، وتم الفسخ بعد أقل من 5 شهور لكذبه وسوء تعامله، ولكي أكون صادقة أنا كنت السبب في تمرده، فقد رآني متمسكة به، بينما داخلياً كنت متمسكة بفكرة الزواج فقط.

وبعد أقل من سنة تقدم لخطبتي عدة أشخاص لم يكونوا مناسبين، وتم الرفض من قبل أهلي، ومن بينهم جاء لخطبتي رجل من بيئة عملي، وكان هنالك بيننا معرفة عمل، وكنت أعلم أنه ليس على خلق كبير ولديه ماض سيء، ومع ذلك تكتمت على الأمر رغبة بالزواج وبناء عائلة، ولكن لم يتم الاتفاق بين العائلتين، حيث كان بلا شخصية، وأمه كانت تريد أن تختار له الزوجة، فظلمتني بالكلام وأساءت لي ولأهلي.

وبعدها بمدة تعرفت إلى شاب من بلد آخر، كانت ظروفه لا تسمح له بالزواج، فقد خسر عمله، وكانت هناك مشاكل مع عائلته؛ لأنهم في بلد آخر، أعرف أن حديثي مع شخص أجنبي حرام، ولكن كانت نيتنا الزواج حقًا، وكنت أعلم عن مشاكل أهله ومشاكل عمله، وأنصحه وأقف معه دائمًا، وكنت أعلم أنه ضعيف الشخصية، ولكنني ظننت أنه سوف يتغيَّر من أجلي، ولن يدع أحدًا يعطل علينا زواجنا.

لمدة سنة وبضعة أشهر استمرت علاقتنا، إلى أن حان وقت مجيئه من بلده، وجاء ليتقدم إليّ، وكل شيء كان ممتازًا ويسيرًا، حتى جاء هو وأمه وإخوته عندنا، وكانوا مختلفين فيما بينهم، وكانت أمه غاضبة، وتلقي كلامًا غير لائق على نحو غريب.

حدث سوء فهم بين أمي وأمه، وغادروا بعدها، وبعد هذا الموقف رفضتني أمه، وافتعلت مشاكل لكل البيت، لأنها لا تريد إتمام الأمر، مع العلم أن الأمر كان يسيرًا جدًّا ويمكن حله، ولكنها أصرت، وهو لا يستطيع مواجهتها، حتى إن والده قد رفض حل المشكلة دون أن يعرف ما هي، وقال: لا أريد إتمام الأمر قبل أن أسمع رأي ولدي.

هذا الشاب كان ضعيفًا وهشًّا جدًّا، وقد حزنت على نفسي كثيرًا، لأنه لم يحاول إصلاح الأمر، واستسلم هكذا، فعاتبته، وعتابي له أحسَّني بالذُّل تجاه نفسي، والآن أشعر بالحزن الشديد، فكيف أحل مشكلتي وتعلقي به؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دانيا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام وحُسن العرض للسؤال، سعدنا جدًّا برغبتكِ في الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى- ونبشّركِ بأن هذا مفتاحٌ للخيرات والنجاح في الدنيا والآخرة.

الفتاة الذكية تتعلّم من أخطائها، وتتعلم من أخطاء الآخرين، ونذكّرك أن الشريعة تريدك غالية مطلوبة عزيزة، لا طالبة ذليلة، فانتظري حتى يأتي الشاب المناسب ليطرق الباب، ويقابل أهلك، واشغلي نفسكِ بطاعة الله -تبارك وتعالى- وبالصوم، وبغير ذلك من العبادات والهوايات النافعة، وبطلب العلم، وغير ذلك من الأمور التي يمكن أن تشغل الإنسان.

ونحن نُقدِّر رغبتكِ في الزواج، وتلك فطرة سليمة، والرغبة في الأمومة، والرغبة في الزواج أمر فطري للرجال والنساء، الكلّ يرغب في أن يكوّن أسرة، في أن يصبح أبًا، وفي أن تُصبح أُمًّا، هذه رغبة مشروعة، ودليل على سلامة فطرتك وخِلقتك.

ولكن الإنسان وهو يسلك هذا السبيل ينبغي أن يُدرك أن هناك طرائق لا تُوصل إلى النتائج الصحيحة، فالبدايات الخاطئة لا تُوصل إلى نتائج صحيحة، ونحب أن نقول: ما أكثر الذئاب على وجه هذه الأرض، لذلك ينبغي على كل فتاة أن تكون في غاية الحرص عندما تحاول أن ترتبط، وعندما تحاول أن تُؤسس حياتها ومستقبلها.

فمن الشباب من يعبث ولا يُبالي، يريد أن يضيع وقتًا، وتكون الفتاة هي الضحية، ولذلك نتمنّى أن تكوني قد اتعظتِ من هذه الدروس رغم مرارتها، فالمؤمنة لا تُلدغ من الجحر الواحد مرتين، وما حصل يُثبت لكِ وللجميع: أن الزواج ليس مجرد علاقة بين شاب وفتاة، لكنّه علاقة بين بيتين وأسرتين وقبيلتين، وأيضًا بين دولتين، كما هي بعض الحالات التي مرّت علينا وعليكِ.

ونحن لا ننصح بالزواج بالطريقة المذكورة، ونريد من كل فتاة إذا أراد إنسان أن يدخل إلى حياتها أن تدلّه على محارمها؛ لأن الرجال أعرفُ بالرجال، فمن حقه أن يسأل عنكم، كما من حقكم أن تسألوا عنه، ولا تحاولي أن تُخفي شيئًا عن أوليائكِ وأهلكِ، فإنهم أحرص الناس على مصلحتكِ، والشريعة ما جعلت للولي هذا الحق، وهذه المكانة، إلَّا لأنه مرجع الفتاة، ولأن الشاب الذي يجد للفتاة محارم يغارون عليها؛ سيعمل ألف حساب وهو يتقدّم؛ لأنه يُدرك أن وراءها رجال محارم، وهنا تأخذ الفتاة قيمتها الغالية العالية التي أرادتها الشريعة.

ونحن لا نريد لكِ إلَّا الخير، ولا نريد لكِ إلَّا هذه الطريقة الرائعة التي جاءت بها الشريعة في بناء البيوت، وتأسيس الأسر على تقوى من الله ورضوان.

أمَّا بالنسبة لهذا التعلُّق الحاصل؛ فنحن نعلم أن العاطفة تتمكّن من الإنسان، وأن العواطف عواصف، ولكننا أيضًا نُذكّرك بأن التخلص من هذه العاطفة التي في غير مكانها الصحيح، رغم صعوبة ومرارة الخلاص، إلَّا إنه أهون كثيراً من الاستمرار في الطريق الخاطئ، ومن التمادي في الطريق الذي لا يمكن أن يُوصل إلى نتائج مثمرة؛ لأنه جريٌ وراء السراب.

وممَّا يُعينكِ على التخلص من هذا الارتباط والتعلق القلبي، أن تتذكّري عيوب الرجل والتي ذكرتها في الاستشارة، وهذه وحدها كفيلة بأن تجعلكِ تبتعدين، وهذه من الطرق التي سبق إليها الإمام ابن الجوزي صاحب (زاد المسير): إن ممَّا يُعين على ترك التعلُّق والخروج من هذه العاطفة -التي قد تتحوّل إلى عشق محرّمٍ- من أيسر الطرق للوصول إليها -بعد الاستعانة بالله وطلب المعونة منه- أن تتذكّر الفتاة عيوب هذا الذي تريدُ أن ترتبط به.

والعيوب كانت ظاهرة وطافحة، بل ليس فيه فقط، ولكن حتى في أسرته، وفي مَن حوله، وقد نلتم من ورائهم ظلمًا كثيرًا، وهذا كلُّه يدفعكِ إلى أن تبتعدي عنه، بل أن تحمدي الله تبارك وتعالى الذي كشف لكِ هذه الأمور مبكّرًا.

نسأل الله أن يُقدّر لكِ الخير ثم يُرضيكِ به، وأن يلهمكِ السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً